كلما توغلت في قراءة كتب الرحلات الأجنبية العربية إلى الجزيرة العربية، وجدت نفسي أمام كمٍّ هائل من المعلومات الدقيقة التي تحتاج إلى بحث يماثل دقتها. ومع اختلاف منهج كتابة الرحلة بين الرحّالة العرب والمسلمين وبين الرحالة الأوربيين على وجه الخصوص، إلا أنّ هناك ما يجمع أحياناً بينهما في وصف المواضيع الجغرافية وأحوال الناس، وهي معلومات غابت عن المؤرِّخين الذين كتبوا عن تاريخ الجزيرة العربية في قرون خلت تواكب دخول هؤلاء الرحالة إليها. فالمؤرِّخ يتحدث في كثير من الأحيان عن الحوادث والمواقع الحربية وعن الدول بشكل رتيب معروف، ولكن الرحالة يجمع مشاعره وأحاسيسه وهو يتحدث، فعندما يأتي الرحالة الغربي إلى الجزيرة فتبهره الصحراء لا يتردد في الحديث عن مشاعره والتأثير على نفسه، فهو (أي الغربي) عادة ما يقدم من منطقة تسودها الغابات والأنهار فجأة يجد نفسه في أرض بلا ماء ولا أشجار تمتد على مد البصر في سكون وهدوء، وعلى شاكلة واحدة، كثبان من الرمال، وقليل من الشجيرات المبثوثة هنا وهناك، وبدو يترحلون في أعماق هذه الصحراء يتعايشون مع طبيعتها وتضاريسها ويعشقون أرضها وسماءها. إنّ كمّ المعلومات التي أشرت إليها، يمكنني على نحو مبسط أن أشير إلى بعض نقاطه التي يمكن أن تكون دراسات أو بحوثاً مستقلة: فهناك من اهتم بالآثار، وهناك من اهتم بالعمران ونمطه، وهناك من اهتم بالقبائل وتوزيعها في الجزيرة، وآخر اهتم بأصول هذه القبائل، وخامس اهتم بحيوانات الصحراء، وسادس ركز على الخيول، وأكثرها جودة ومن من القبائل تملكها، ومنهم من قدم معلومات عن خلافات بين القبائل شهد هو بأم عينه معارك دامية سقط فيها قتلى وجرحى، ومنهم من قارن بين مدن الجزيرة بل هناك من قارن بين طباع الناس بين الأقاليم التي وصل إليها. كل هذا الكم الثري من المعلومات لم يستفد منه إلاّ بترديد أسماء الرحالة الذين جاءوا، والبحث عن أهدافهم ونواياهم وإن كان الأمر لا يخلو من وجود باحثين جادين تطرقوا إلى أعماق الرحلات الغربية كاشفين عن ما تحتويه من معلومات مفيدة. ومع نشاط حركة ترجمة الرحلات الأجنبية تقودها هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة (المجمع الثقافي)، فإنّ المجال مفتوح على مصراعيه لتقديم دراسات جادة عن هذه الموضوعات.