يقول المتخصص في إعادة هيكلة الديون ريتشارد جاديت: «تفرض علينا إستراتيجيات إعادة هيكلة الديون المعقدة معرفة الطرف الآخر جيداً وذلك عبر المعاينة النافية للجهالة واللجوء للضغوط النفسية وتعاون الطرفين». ففي الوقت الذي يفضل فيه حملة الصكوك التحدث فقط عبر المحاكم البريطانية، باتت الساحة خالية لدانة غاز (وفريقها الدولي من المستشارين الإعلاميين والقانونيين) وذلك من أجل السيطرة على المشهد ونقل وجهة نظرهم للعامة (وذلك بشكل مُكثف). ولكن الإفصاح الأخير لدانة غاز كشف أن المفاوضات قد أخذت منحنى آخر وذلك بدخول مُكونات «الحرب النفسية» التي للأمانة استغربت الزج بها في وجه مستثمرين دوليين يملكون كمية ضخمة من صكوك دانة غاز مثل («بلاك روك» التي تعد من كبرى الشركات العالمية في إدارة الأصول (التي تبلغ 5.4 تريليونات دولار)، وكذلك ذراع إدارة الأصول التابعة لبنك جولدمان ساكس). فعندما يصرح لرويترز مصدر قريب من دانة غاز ويقول إن عملية التقاضي قد تستمر لعشر سنوات وأن الحكم القضائي الذي سيصدر في الإمارات سيُفضي برد دفعات دورية سابقه للصكوك تصل إلى أكثر من 100 مليون دولار، حينها تعرف أن إستراتيجية الضغط النفسي متعمدة. وقبل أن أترككم مع التصريح دعوني أوضح أن ال100 مليون هذه عبارة عن تدفقات نقدية صادرة من أصول أخرى ليست تابعة لأصول الصكوك ودانة غاز دفعت «على الحساب» ريثما تتحسن ظروف الأصول المصرية ومن ثم تسترد المبلغ الذي دفعته سابقاً (وهذا التصرف مُتبع في بعض هياكل الصكوك).. ولكن دانة بتصرفها هذا تريد من حملة الصكوك أن يتحملوا مخاطر الاستثمار. نذهب إلى التصريح الذي أزالته رويترز لسبب لا نعرفه في نسختها المحدثه للخبر»: وقال المصدر (القريب من دانة غاز) إن التقاضي سيكون طويلاً وممتداً، وقد يستمر لما يصل إلى عشر سنوات. وأضاف: «إنه إذا حكمت المحكمة في الإمارات لصالح دانة غاز كما هو متوقع، فإن حملة الصكوك لن يواجهوا خفضاً كاملاً للقيمة فحسب (أي أنهم لن يستردوا كامل القيمة الاسمية للصك وهذا قريب لوضع ال(Haircut) الذي يستخدم مع الديون المتعثرة) ولكن سيُطلب منهم رد أكثر من 100 مليون دولار وهذه عبارة عن دفعات أرباح مدعومة قامت الشركة بدفعها على الحساب». نلاحظ في هذا التصريح نبرة الثقة بالحكم القضائي قبل حتى الشروع بالمرافعة القضائية.. وقد تكون تلك «الثقة المُنبثقة» جزء من الحرب النفسية. ولو حصل ذلك التصعيد من دانة غاز (بنقل القضية بعد خسارتها لمحاكم الشارقة)، فإن سوء السمعة الإعلامية ستتعدى تداعياتها قيمة هذا الإصدار الصغير وصناعة المال الإسلامية في الإمارات في غنى عن ذلك. كما توقعنا سابقاً مع المقابلات التلفازية مع العربية و(CNBC) العربية، فالشركة ترى أن حظوظها للكسب عالية في محكمة الشارقة ولكن هذه الحظوظ انعكست لصالح حملة الصكوك بعد نقل المحاكمة لبريطانيا (لأسباب سنوردها لاحقاً). ومع هذا فالشركة' بحسب ما نرى من إفصاحاتها, يبدو أنها قد هيئت نفسها (من الآن للطعن) في قرار المحكمة البريطانية في حال كان الحكم في غير صالحها. على العموم هذه الزاوية عبارة عن تحديث للزوايا الأخرى التي سبقتها عن نفس الموضوع. وفي ظل تصدر أخبار صكوك دانة غاز عناوين الإعلام العربي والعالمي (وذلك بفضل الأخبار المتواترة أسبوعياً عن القضية)، فإننا سنركز في هذه المساحة على أهم النقاط الرئيسية التي ستحسم هذا الخلاف لصالح أحد الأطراف. إلغاء العرض الثاني لمبادلة الصكوك بعد اجتماع دانة مع بعض حملة الصكوك وإبلاغهم بأن العرض الثاني الذي كانت تعتزم طرحه لم يعد وارداً وأنها ستترك تسوية الوضع مع حملة الصكوك لما ينجم عن إجراءات التقاضي، يبدو لي أن الشركة قد تلقت إشارات من بعض حملة الصكوك بأن الشروط الجديدة (المزمع تقديمها) لن يتم قبولها من طرفهم. ويبدو لي أن سبب ذلك يرجع لكون حملة الصكوك على ثقه بأن حظوظهم للفوز قضائياً أصبحت أعلى بعد أن ضمنوا أن المرافعة القضائية ستكون في بريطانيا بعد شهر ونصف من الآن. وعليه فهم ليسوا مستعجلين للحصول على تسوية خارج المحكمة من الشركة وذلك قبل نهاية إجراءات التقاضي. حظوظ دانة غاز في الفوز «قضائياً» كما هو معروف فلا توجد أحكام موحدة (على مستوى العالم) للمسائل المتعلقة بالمعاملات المصرفية الإسلامية (نحن نتحدث من الجانب القانوني).. ولكن بحسب ما نقلته بلومبرج عن مستشار قانوني، فإن المحكمة البريطانية تستطيع أن تقرر في مسألة إذا ما كانت الصكوك ممتثلة للقانون الإماراتي (ذلك سيتم عبر الاستعانة بمحامين على دراية تامة بالقانون الاماراتي). فلو كانت ممتثلة للقانون الإماراتي (الذي لم يتغير منذ تاريخ إصدار الصكوك في 2013)، فمعنى ذلك أن الصكوك لا تزال قانونية وحملة الصكوك هم الرابحون. ولو كانت الصكوك لا تمتثل للقانون الإماراتي (كما تقول دانة غاز) فإن ذلك، بحسب المحامي البريطاني، قد يُطلق ما نسميه «حدث التسريع» (acceleration trigger) المذكور في نشرة الإصدار وذلك ارتكازاً على كون الصكوك غير قانونية، وهذا ما يمنح حملة الصكوك خيار التقدم بطلب تسديد قيمة الصكوك من الشركة (وهذا ما يريده المستثمرن). المحكمة البريطانية والالتزامات التعاقدية كخلفية عامة، الصكوك الحالية تستند إلى القانون الإماراتي في حين أن مستندات الإصدار والالتزامات التعاقدية ترتكز على أساسيات القانون الإنجليزي. بدى واضحاً من بيان الشركة أن الدافع الرئيس وراء إعادة الهيكلة يرجع لكون الصكوك غير متوافقة مع الشريعة وعليه فهي مخالفة للقانون الإماراتي. الشركة كانت تنوي إثبات «وجهة النظر هذه» قضائياً في محكمة الشارقة في شهر ديسمبر والتي أرى أن حظوظها هناك تعتبر أكثر من جيدة. ولكن التحول في أحداث القضية جاء بعد طلب المحكمة البريطانية من دانة غاز (في يوليو) بالتحدث مع المحكمة الإماراتية حول بحث مسألة «تأجيل» جلسة الاستماع الإماراتية وعقدها بدلاً من ذلك في لندن (بشهر سبتمبر). لذلك نقول إن إعلان المحكمة الإنجليزية في ظاهره إيجابي ولكن في باطنه سلبي. إيجابي لأن المحكمة أيدت الحماية المؤقتة لأصول الصكوك والتي كان الدائنون ينون استهدافها قضائياً بعد اقتراب دانة غاز من تعثرها الفني. نقول إن هذا الحدث سلبي للشركة لأن المحكمة الإنجليزية ستنظر أولاً إلى الالتزامات التعاقدية والتي (يرى البعض) أنها من الأساس في صالح الدائنين. وهذا من شأنه أن يؤثر على حظوظ دانة غاز بالقضية التي يرتكز أساسها، بحسب الشركة، على أن الصكوك لا تمتثل للشريعة وذلك وفقاً للقانون الإماراتي. نقول ذلك من مُنطلق أن القانون الإنجليزي الذي، تستند عليه مستندات الإصدار، سيميل بشكل رئيس نحو الالتزامات التعاقدية على حساب التباين في التفسيرات الخاصة بامتثال الصكوك للشريعة من عدمه. ونستند في ذلك التوقع إلى سابقيتين قضائيتين حاولت فيهما شركتان التنصل من الالتزامات التعاقدية بذريعة أن المنتج المصرفي كان مخالفاً للشريعة عندما اقترب موعد السداد. إلا أن المحاكم البريطانية أعطت الأولوية للالتزامات التعاقدية. وعليه خسرت تلك الشركات التي حاولت استخدام حجة عدم الامتثال الشرعي مع مستندات قائمة على القانون الإنجليزي. القصة السعودية وعلاقتها مع دانة يحكي لنا الاقتصادي مشتاق باركر عن حكم قضائي صدر في المملكة قبل أربعة عقود. فقد قام أحد رجال الأعمال بالاقتراض (بشكل تقليدي) من أحد البنوك المحلية. وعندما حان وقت الدفع، إدعى أنه لم يكن على دراية أن هناك فوائد على القرض (كان يعتقد ان القرض إسلامي) وعليه طلب من المحكمة أن يدفع فقط القيمة الاسمية للقرض وذلك من دون الفوائد. القاضي وافقه في مسألة دفع القيمة الاسمية ولكنه طلب منه أن يقوم بتسديد الفوائد والتي سيتم تحويلها للجمعيات الخيرية (وهو إجراء مُتبع بالبنوك). وقال له القاضي:» لا أستطيع أن سمح لك بدخول في التزامات تعاقدية ومن ثُم تستخدم (العذر) «الشرعي» من أجل أن تتنصل من التزاماتك». فهل من مُعتبر..؟.