الدعم المادي الذي قدمته امارة ابو ظبي إلى امارة دبي، انقذ الأخيرة وشركاتها الحكومية من تسجيل اول أضخم حالة تعثر للصكوك الإسلامية التي طُوّرت لتكون بديلاً من أدوات الدين التقليدية (السندات). اسباب نمو التعامل بالصكوك الإسلامية نما التعامل بالصكوك الإسلامية في شكل سريع في بلدانٍ عديدة بخاصةٍ في العامين الماضيين لأسباب اهمها: عدم ارتباط الصكوك بالفائدة المحرّمة شرعاً، ما يهم المستثمرين الذين يودون توظيف اموالهم وفقاً للشريعة مع امكان استردادها عند الحاجة بالتسييل في الأسواق، ويهم أيضاً المستثمرين الهاربين من أدوات المال المرتبطة بالفائدة بعد انهيار هياكلها خلال أزمة الرهن العقاري الأميركية نهاية 2008 . تدني عامل المخاطرة في التوظيف فيها لاستنادها، ولو نظرياً، إلى اصول وليس إلى ذمم . تلبيتها احتياجات التمويل للشركات المتعثرة أو المهددة بالتعثر وللمشاريع العملاقة او ذات معدل مرتفع للمخاطرة، وتلبي احتياجات التمويل للحكومات والهيئات العامة التي لا تقع ضمن دائرة الضمان الحكومي، بل تبقى فيها الصكوك مرتبطة بالمشروع الذي تم تمويله. تقديم أسلوب جديد في تشكيلة أدوات المال الإسلامية وتوسيع قاعدة سوق الأوراق المالية وفي إدارة سيولة المصارف ومؤسسات المال الإسلامية، وطرح نهج جديد في ادارة التمويل على اساس المخاطرة والمشاركة وليس على اساس سعر الفائدة . تأمين أداة للمصارف تُمكنها من دعم رؤوس اموالها من الشريحة الثانية Tire 2(وفقاً لتصنيفات لجنة بازل Debt/Equity ) تقديم أداة جديدة إلى السياسة النقدية في تعاطيها مع الصيرفة الإسلامية ولاندماج اقتصادات البلاد الإسلامية في ما بينها. تأمين أداة للتوزيع العادل للثروة، لأنها تمكّن المستثمرين من الانتفاع بالربح الحقيقي الناتج من المشروع بنسبة عادلة، ما يوسع دائرة انتشار الثروة على نطاق أوسع . وتتصدّر ماليزيا ثم الإمارات و السعودية لائحة الأطراف المصدِرة للصكوك وتليها إندونيسيا والبحرين وتضم اللائحة ايضاً الولاياتالمتحدة ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي. ويتبوأ قطاع المؤسسات الحكومية إصدارات الصكوك، بينما تصدرت العملة الماليزية العملات الأخرى لمدة قبل عودة الدولار إلى المرتبة الأولى في لائحة العملات التي تصدّر بها الصكوك. الانتكاسة الأولى لانطلاقة الصكوك الانتكاسة الأولى للصكوك جاءت من تحذير نائب رئيس جامعة دار العلوم في كراتشي ورئيس المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية الشيخ محمد تقي عثماني، خلال اجتماع مجمع الفقه الإسلامي في نيسان 2009، فنبه الى ان نحو 85 في المئة من الصكوك المتداولة، يطلق عليها بغير حق وصف المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، لأن مصدريها ضمنوها خاصيتين اساسيتين توجد في السندات، بهدف جعلها قابلة للرواج والمنافسة في الأسواق الإسلامية والتقليدية على السواء، وهما: 1- التوزيع الدوري على اصحاب الصكوك وربطه في شكل او آخر بأسعار الفائدة . 2- ضمان استرداد اصحاب الصكوك رأس مالهم بتعهد المصدّر إعادة شراء الصكوك بحسب قيمتها الإسمية عند إطفائها نهاية مدتها. ثلاث عثرات كشفتها ازمة دبي المالية العثرة الأولى: ضبابية حقوق اصحاب الصكوك. رأى البعض ان حقوق اصحاب الصكوك المصدّرة من شركة نخيل الإماراتية تأتي بعد حقوق اصحاب السندات باعتبارهم مالكين وليسوا دائنين. في المقابل رأى فريق آخر أن الصكوك هي ديون وليست ملكية، ما يعني ان حقوق اصحابها تبقى محفوظة مثل حقوق اصحاب السندات، ويجب أن تُسدد مستحقاتهم في كل حال قبل حقوق المساهمين، وحجتهم ما يأتي: إن الشركات المتمولة بالصكوك تحتسب قيم موجودات المشاريع المرتبطة بالصكوك من ضمن موجوداتها ومن دون اية اشارة الى شركاء فيها هم اصحاب الصكوك . إن الدفاتر المحاسبية لهذه الشركات تصنف اصحاب الصكوك بأنهم دائنون بمبالغ ثابتة لا تتغير بتغير قيمة الأصل المرتبطة به صكوكهم والمسجل في موجودات الشركة. العثرة الثانية: ازدواجية الأحكام التي ترعى اصدار الصكوك وتنفيذ القرارات القضائية الصادرة بالنزاعات التي تتعلق بها وثائق عدد كبير من الصكوك تتضمن نصاً يقضي بتوافقها مع الشريعة الإسلامية، وبخضوعها في الوقت ذاته إلى قانون البلد الذي تقرر تنظيمها فيه او تسويقها منه وهو غالباً القانون البريطاني. هذا الواقع يثير اشكالات مثل، ما الحل لدى التعارض بين الشريعة والقانون في مسألة تخص الصك؟ وهل يحق للقاضي الأجنبي بناء احكامه على اعتبارات تقتضيها الشريعة؟ وما المقصود بالشريعة الإسلامية بالنسبة إلى القاضي الأجنبي. إن المستثمرين مضطرون في كل الأحوال إلى التعاطي مع محاكم محلية حتى ولو حكم قاض اجنبي لمصلحتهم. المشكلة هنا غياب الاتفاقات الخاصة بتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية بين الدول التي ينتشر فيها التعامل بالصكوك، والدول التي يمكن ان تصدر فيها هذه الأحكام . العثرة الثالثة: سقوط الفكرة القائلة إن العمليات المنظمة وفقاً للأصول الشرعية هي بالضرورة عمليات مربحة على الدوام. لقد اثبتت ازمة دبي المالية أمرين: 1- إن شأن المؤسسات التي تتعامل بهيكليات مالية موافق عليها من قبل هيئاتها الشرعية، لا يختلف عن التي تتعامل بالفائدة وبهيكليات مالية مرتبطة بالفائدة ، فهي تتعرّض للركود الاقتصادي ولعمليات التصحيح، بخاصةٍ عندما يوجد نوع من التركيز في قطاع معين(العقار في السندات الأميركية والصكوك الإسلامية في دبي). 2- أكانت الأخطار وأسبابها، في وجه من الوجوه، واحدة في السندات الربوية التي تعثرت في الولاياتالمتحدة والصكوك الإسلامية المصدرة من الشركات التابعة لإمارة دبي، وتتلخص في التدخل الحكومي لتوسيع دائرة التمويل والانحراف في عمليات تقويم الأخطار وعدم قدرة المدين على الدفع بعد انفجار الفقاعة خلافاً للتوقعات. العبرة من عثرات الصكوك الإسلامية في دبي اهم العبر ما خلصت اليه توصيات مجمع الفقه المنعقد في نيسان من العام الماضي، بضرورة سن تشريع خاص بالصكوك يحقق الكفاءة القانونية والاقتصادية والصدقية الشرعية ويمكّن المستثمرين في هذه الصكوك من التعرف بوضوح على حقوقهم وسبل الدفاع عنها امام القضاء. فمن غير المعقول ان تفتقد صناعة الصكوك الفتية التي تقدر ببلايين الدولارات إلى قاعدة قانونية مناسبة تحكمها. ويجب أن يتضمن التشريع المطلوب أحكاماً دنيا تتلخص بالآتي: 1- ضرورة التقيد بأحكام مجمع الفقه الإسلامي ذات الصلة بالصكوك، فتصدر ممثلة لحصص شائعة في ملكية حقيقية معتبرة لموجودات قائمة فعلاً أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وأن تشترك في استحقاق الربح والخسارة بنسبة محددة تقاس بقدر الحصة التي يمثلها الصك، وليس بنسبة محددة مسبقاً من القيمة الإسمية للصك أو بمبلغ مقطوع . كما تشترك في تحمل الأعباء والتبعات المترتبة على الملكية الممثلة في الصك. ولا يجوز تقديم الضمان على الاستثمار من قبل المدير، كما لا يجوز تعهد مدير الصكوك بإقراض اصحاب الصكوك، أو بالتبرع عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، ولا يجوز أيضاً إطفاء الصكوك بقيمتها الإسمية بل يكون الإطفاء بقيمتها في السوق أو بالقيمة التي يتفق عليها عند الإطفاء. 2- توضيح مضمون الملكية الشائعة بين اصحاب الصكوك ومصدر هذه الصكوك، وتوضيح المركز القانوني لأصحاب الصكوك بالنسبة إلى مساهمي المصدّر ودائنيه، إلى توضيح اصول تسديد الالتزامات والديون المستحقة تحت التصفية وتراتبيتها (يمكن التفكير هنا بالترتيب الذي يعدده القانون المصري بخصوص تصفية المصارف الإسلامية وينطلق من حقوق المصفي فالموظفين فالمودعين في حسابات الائتمان فالدائنين من اصحاب الودائع لغير غايات الاستثمار او للمشاركة في الأرباح الناجمة عن هذا الاستثمار فحقوق المودعين في حسابات الاستثمار المشترك انتهاء بحقوق المساهمين). 3- الضمان الشرعي لأصحاب الصكوك والذي يمكن ان يكون على اساس تكافلي قد تساهم فيه الدولة او هيئات معنية مثل المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات (أيسك) التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية وغيرها. مع الإشارة الى وجود توجهات خاصة في هذا المضمار مثل قرار مجلس البحوث في كلية الأزهر الذي يجيز ضمان الوكيل بالاستثمار للأخطار وفقهاء المذهب المالكي الذين يؤيدون انشاء ادوات تحوّط ضد الأخطار وغيرهم. 4- البيانات والأمور التي يتعين تضمينها في وثائق الصكوك على الأخص التي تحفظ مصالح وحقوق اصحاب هذه الصكوك (يمكن التفكير هنا بالأحكام ذات الصلة الخاصة بسندات مشاركة titres participatifs التي انشأتها الحكومة الفرنسية برئاسة جاك دولور بداية ثمانينات القرن العشرين)، كأداة تمويل طويلة الأجل للشركات التي تم تأميمها، من خلال تعزيز الأموال الخاصة لهذه الشركات بدلاً من اللجوء الى الاستدانة التي بدت متعذرة للشركات آنذاك كظاهرة من ظواهر الرفض والعرقلة من مراكز مالية مناهضة لعمليات التأميم. ويشير القانون الفرنسي الموضوع لهذه السندات، الى انها قابلة للتداول ولا تمنح اصحابها اي حق في ادارة الشركة ولا تردّ قيمتها الأسمية الا بعد مدة يتفق عليها لا تقل عن سبع سنوات، وعند تصفية الشركة بعد تلبية جميع الدائنين. وتنتج هذه السندات عائداً، قسم منه ثابت في صورة فائدة (ليس وارداً بالطبع وجوده في الصكوك الإسلامية المقترح انشاؤها على غرار سندات المشاركة الفرنسية) وقسم متحرك بحسب نتيجة الاستثمار. ويتضمن القانون الفرنسي تفصيلات اضافية في خصوص اصدار السندات مثل وجوب تحرير وثائقها ونشراتها باللغة الوطنية وبيان الوضع النظامي والمركز المالي للمصدر ونشر تطور نشاطه المالي وتحديد ضمانات السندات عند وجودها وأمور تفصيلية اخرى تتطلبها انظمة سلطة الأسواق المالية الفرنسية. لبنان والإطار القانوني ان توأمي الإطار القانوني الملائم للتعامل بالصكوك الإسلامية في لبنان يعززان بنية لبنان الفتية الخاصة بالعمل المالي الإسلامي وقدرته التنافسية، ويؤمنان وسائل نجاح برامج تمويل مشاريع عامة تتهيأ السلطات السياسية لإطلاقها، في ما لو ضمّنتها خيارات تسمح للمواطنين وللمستثمرين بالمشاركة في هذه البرامج من خلال الاكتتاب بصكوك تصدرها بقيمة الأموال التي تحتاجها للمشاريع. وهو امر لجأت اليه دولٌ تداركاً منها لفخ المديونية العامة مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وتركيا ومصر والأردن. وأقرن الأخير اصدار الصكوك بتشجيعات متنوعة مثل تقرير اعفاءات ضريبية على عائداتها وكفالة الحكومة تسديد قيمتها الإسمية الواجب اطفاؤها في المواعيد المقررة، مع اعتبار المبالغ المدفوعة من الحكومة قرضاً ممنوحاً للمشروع من دون فائدة مستحق الوفاء فور الإطفاء الكامل للصكوك (قانون سندات المقارضة الأردني لعام 1981). * أستاذ جامعي، محاضر في القانون المصرفي