مُذْ عرفناه وهو يسابق الزمن، وكأنه في عجلة من أمره، يشعر أن في عهدته واجباً يريد أن يكمله، وكان يلهث وراء كل معلومة تحقق له ما يريد. ومُنذ عُرف مُوثّقاً، كان في ذهنه أفكار كثيرة يرنو لإنجازها، ومحبّوه يخشون عليه من الركض، وما أنهكه سواه، يبدأ صبحه مع الطيور، ثم يدور بنفسه، راجلاً أو ممتطياً، لينجز بعض مشاويره قبل بدء دوامه في مكتبة الملك فهد الوطنيّة التي «يتوسّد» نوادرها من الكتب والصحف القديمة والمخطوطات، وما إن ينجز ما وُكل إليه من مهام، حتى يخرج بفكرة مقال توثيقي، يدوّن فيه سيرة شخصيّة يعرفها، أو يلاحق معلومة غائبة عن حادثة ثقافيّةً فريدة، وهو بهذا لمّا يكتمل مشروعه التوثيقي، بعد أن دوّن سير بعض وكلاء الملك عبدالعزيز وممثّليه. وسخّره الله لتتبّع سير العشرات من أعلام عثرت حظوظهم، وكادت نجوميّتهم تنحسر، وأوشك وهجها أن يخفت، حتى تكوّنت لديه حصيلة من الإنتاج، تحمل عنواناً واحداً من «التفرّد» فأبو يعرب، يحب نبش النوادر من المعلومات، ويغوص على الخفيّ من تفاصيل السير، كعبدالرحمن المنيف وعابد خزندار ومحمد العجيّان، وأبي سهيل الجهيمان، الذي لازمه بيتاً وتاريخاً وإرثاً وأُنساً وتوثيقاً، وهو بهذا في عجلة لأن يكتمل مشروعه في توثيق سير غيرهم، وهم كثر. وقبل كل هذه المشروعات الثقافيّة، التأليفيّة والمقاليّة، فإن لديه مشروعاً أهم، يحاول إنجازه في كل ثغرة يجدها في يومه وليلته، لا يتقاعس عنه، ذلك أنه من حرصه عليه تتزاحم عنده الأشياء، إنه التزام «الوفاء» تجاه محبّيه، بين سؤال عن غائب، أو عيادة مريض، أو إيصال كتاب، أو حضور ندوة ثقافية دورية، فيكون له حضوره المفيد وتعليقاته الطريفة، مستعيناً بما خصَّه الله من سرعة البديهة، وسعة الصدر، وموهبة المرح، ومخزون النوادر والمعلومات، وهو لا يُثقله حمل حقيبته، وركوب الوسيلة، لحضور ما يلزم عليه من واجبات إخوانيّة. إنه المرجع دوماً وقت الضرورة، لكل من خفيت عليه معلومة غائبة، والراصد الذي أضاف لمكتبة المعرفة ما ينيف على عشرين كتاباً أصيلاً. عقد أبو يعرب صلات مع الجميع، لم نسمع له يوماً تحفّظاً على إنسان، ولا شكوىً من أَذًى، ولا تمييزاً ضد فرقة، ولا نفوراً من باحث، فبادله المجتمع الثقافي في كل الوطن، تقديراً بتقدير، واحتراماً باحترام، ووفاءً بوفاء، وسجّل له في سيرته حرصه على مدّ جسور المحبّة والتعايش، مع إخوتنا المواطنين الأحبّة في الأحساء والقطيف ونجران والمدينة المنوّرة، من كريم الأواصر، وتبادل المعروف، وهو بهذا لمّا يكتمل مشروعه، فأمام المجتمع بقيّة تتوّج قانون»الوحدة الوطنيّة» لا تزال تنتظر. ولو لم يُسجّل له من سيرته، إِلَّا اقترابه من مشروع «التاريخ الشفوي»- الذي بدأته مكتبة الملك فهد الوطنيّة قبل خمسة وعشرين عاماً، وسجّل فيه محمد القشعمي ما ينيف عن مئتي مقابلة مطوّلة مع روّاد الثقافة والسياسة والتنمية، من المواطنين والمسؤولين- لكفى. محمد ابن الشيخ عبدالرزّاق القشعمي، يحق لمسقط رأسيهما «الزلفي» بخاصة أن يفخر بهما، ويقيّم لهما معلماً ثقافيّاً تذكاريّاً، يحمل اسميهما ويذكّر بهما، وما هذه المطويّة التي تزدان بمشاعر حميمة من أحبّته إِلَّا جهد المقل. فانهض، أبا يعرب، من سريرك الوردي، لتكمل مشروعك.