في محطة قطار بروكسل الجنوبية وأنت تصعد إلى صالة القادمين سترى توقيعه أمام عينيك، وإن قررت الذهاب إلى متحفه في المدينة ذاتها، فالإمضاء سيلمع أمامك في جدارية بجوارها الصبي الذي ابتكرهُ صاحب الإمضاء.. لم يكن لتوقيعه أي حضور في تلك المعالم البارزة في العاصمة البلجيكية بروكسل، لولا تحركه في ثلاثينيات القرن الماضي في بيته المتواضع بالعاصمة نفسها على أوراق وضع فيها مغامرات خيالات عقله المُلهمة سافرَ بها إلى القمر وبلدان الأرض، ليترك إرثًا ثقافيًا مميزًا امتد إلى لغات العالم الحية. تميزت «مغامرات تان تان» بخياله الذي طاف العالم ليصل إلى الكونغو واليابان والبلقان وأمريكا والشرق الأوسط -البحر الأحمر تحديداً- واحتكاكهِ بأعراق مختلفة كما في قصة «الأذن المكسورة» التي فيها سُرق متحف بروكسل من سكان أصليين من أمريكا الجنوبية -كما ورد في القصة-، وبروح الخيال العلمي المنسجم مع تطلعات العقل العلمي في ذلك الوقت كما في قصة «الصعود إلى القمر»، وبالجذور التاريخية التي تقف خلف كل حكاية كما في « تان تان في أمريكا» التي فيها اتصل بالأمريكيين الأصليين لسكان الولاياتالمتحدة. بالرغم من أن تلك القصص المُصورة لم تخل من التوظيف السياسي فحكاية «تان تان في بلاد السوفييت»، وُجهت لتكون ضد الاشتراكية وسياساتها، و»تان تان في الكونغو» وُجهت لتلميع ونقل صور إيجابية للوجود الاستعماري البلجيكي في الكونغو؛ إلا أن أثر تلك القصص يُستلهم منها بعض عناصر الأثر الثقافي المميز لأي عمل كارتوني أو يقع ضمن خيار الرسم الناطق بصورة عامة، أهمها: الابتكار في الشخصيات، والغوص في ثقافة الآخر ومناقشة موضوعاته لا الانكفاء حول الذات الثقافية.. إمضاء الكاتب والرسام البلجيكي جورج بروسبر ريمي المعروف ب (هيرجيه) (1907م-1980م): تحرك على أوراق خيالات عقله؛ ليلهم الرسامين المبتكرين في وقت لاحق..!