في الواحد والعشرين من شهر (يونيو – جويليه) 1969 وضع نيل أرميسترونغ قدميه على سطح القمر في خطوة جبارة قيل آنذاك إنها ستفيد البشرية، حتى أن آرمسترونغ نفسه قال: "هذه الخطوة لرجل ما، ما هي إلاّ قفزة عملاقة للبشرية"... بعدها بأقلّ من سنة وضع "تان تان" قدميه هو الآخر على سطح القمر مع كلبه ميلو، وتحديدا في الثلاثين من شهر مارس 1950. وتان تان شخصية كارتونية اخترعها الكاتب والرسام البلجيكي جورج ريمي الملقب ب "هيرجيه"، ولعلّه استوحى مغامرة تان تان على سطح القمر من خلال كل ما نُسِج من إشاعات حول نيل آرميسترونغ وخطوته العجيبة على القمر. الغريب أن شهرة "تان تان" ورحلته إلى القمر، فاقت شهرة رائد الفضاء المنتسب لأقوى وكالة فضاء في العالم "ناسا" والتي تسيطر على الفضاء الداخلي والخارجي للعالم، ويقال إنها وكالة ترصد اليوم حركة الكواكب والنجوم والبشر والدّواب بأنواعها على كوكبنا المبارك، وبإمكانها أن ترصد حركة النّملة في بيتك إن شاءت عبر الأقمار الصناعية الموزعة في سمائنا ونحن عنها غافلون. بشكل كاركاتوري قرّب "هيرجيه" تفاصيل الرحلة إلى القمر، لكنه وقع في أخطاء علمية كثيرة، مع أنه شرح أكثر من مرة أن هدفه أن يروي قصة وليس تقديم درس في علم الفلك، وأن عقول الأطفال ليس بحجم عقول خبراء الناسا. وإن كان أغلب العالم صدّق أن آرميسترونغ وطأت قدماه سطح القمر، فقد دقق الرافضون للفكرة في تفاصيل الصور التي نشرتها ناسا، ووضعوا أصابعهم على أخطاء لا تتناسب مع المنطق، ما عكسه "هيرجيه" في قصته "لقد مشينا على القمر" وأكثر من ذلك فقد طرح أسئلة هامة بشأن الفائدة التي ستجنيها البشرية من زيارة أرض مقفرة لا حياة فيها، بتكاليف خيالية كان يمكن أن تحوّل الأراضي القاحلة على كوكب الأرض - والتي لم نكتشفها بعد - إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، لكن الغاية على ما يبدو هي أولا ترويع الكائنات البشرية في بلدان العالم الثالث، غير الرسالة غير المباشرة التي خصت بها أميركا الاتحاد السوفييتي آنذاك ردا على رحلة يوري غاغارين أول رائد فضاء رأى الأرض من الفضاء الخارجي. أوروبا التي كانت خارج ذلك السباق، وجدت في التهكمات الواردة في قصة تان تان ما يروي غليلها، فدعمت هذا البطل الخيالي حتى أصبح بطلا قوميا، ثم بطلا عالميا، أحبه الصغار والكبار، ثم بقدرة قادر فُتِح سجال عظيم بشأن شخصيته، ملأت الجرائد وشغلت العالم آنذاك، فانتقدته جمعيات كثيرة متهمة إياه أنه "عنصري" وقليل التهذيب، وأنه رجعي وضد حرية المرأة، ومعادٍ للسامية، بما أن الشرير دائما يهودي أميركي، أو أسود، أو عربي، أو ما شابه. واليوم ونحن نقف على ذكريات رجلين غيّرا بشجاعتهما ومغامرتهما الكبيرة إيقاع الحياة البشرية، تبدو صورتاهما معا باهتة بالنسبة للأجيال الجديدة، فيما تان تان رغم كل ما نسب إليه من تهم ظل صديقا لهذه الأجيال، وهذا إن كان دليلا على شيء فإنّما على قوة الأدب والفن، أمام هشاشة التاريخ خاصة حين يتقاطع مع الحروب السياسية.