يبدو أننا نردد بعض المقولات والآراء والأفكار حتى نعتقد صحتها، وتتحول إلى مسلمات يصعب نقاشها أو مساءلتها. والأصعب أن تتحول تلك الأفكار والمقولات إلى أسس نتخذ بناء عليها قراراتنا، ونبني عليها خططنا. ومن هذه المقولات التي تحولت إلى مسلَّمة، أصبح يرددها الجميع، ويدافع عنها الكثير، بل وتبنى عليها الكثير من القرارات والخطط، الاعتقاد بأن ما لدينا من منشآت صغيرة ومتوسطة هو أساس التنمية، وازدهار الاقتصاد وتطوره، بما يشمله ذلك من خلق للفرص الوظيفية، وتشجيع ودعم للشباب، حتى وصل بنا الأمر إلى أن نردد دعمًا لوجهة نظرنا هذه أن ذلك النوع من المنشآت بلغت نسبته لدينا أكثر من 97 في المائة. أظن أن هذا القول، وما بني عليه من قرارات وخطط بحاجة إلى التأمل والفحص، وطرح السؤال عنه وحوله. وحيث إن الحديث عن هذا الموضوع لا يخلو من المقارنة بالدول الأخرى، إِذ يتم ترديد مقولة أن غيرنا من الدول يهتم بهذا النوع من المنشآت، وأن هذه المنشآت تلعب دورًا كبيرًا في اقتصاديات تلك الدول، فإن المقارنة مع هذه الدول يجب أن تكون مكتملة حتى نتأكَّد من صحة ذلك التوجه الذي نتبناه تجاه تلك المنشآت. إن المتأمل في حال الكثير من الدول، يلحظ أن نجاح المنشآت الصغيرة والمتوسطة فيها لم يأت من دعم الدولة واهتمامها فقط، وهو أمر محمود ومستحسن، ولكن ذلك الدعم كان مسبوقًا بتوفر عديد من المنشآت ذات الأحجام الكبيرة التي خلقت للمنشآت التي تصغرها حجمًا وقدرة الفرصة المناسبة للنجاح. إن المنشآت الكبيرة في تلك الدول أوجدت الحاجة لإنشاء منشآت أصغر منها حجمًا لتحقيق متطلباتها وتوفير احتياجاتها، من خلال برامج تكاملية تربط ما بين تلك المنشآت، وتجعل المنشآت الصغيرة مغذية للمنشآت الأكبر منها، وفي الوقت نفسه تجعل المنشآت الكبيرة في حاجة لمن هي أصغر منها لتحقيق تطلعاتها ومشاركتها معها في الوصول إلى أهدافها من خلال إسناد الكثير من الأعمال إليها. إن الكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة القائمة لدينا حاليًا بأشكالها وطريقة أعمالها، لن تستطيع أن تحقق تطلعاتنا التنموية وفق رؤية 2030بالطريقة التي ننشدها، ما لم نعد النظر في وضعها الحالي، ونحدد الشكل والنموذج الذي نريدها أن تكون عليه مستقبلاً، ومن ذلك حاجتنا، إلى إنشاء عديد من المشروعات كبيرة الحجم وفي عديد من مناطق المملكة وفي مختلف المجالات والتخصصات، بحيث تستطيع هذه الشركات الكبيرة الأخذ بيد المنشآت التي تصغرها حجمًا. إننا باختصار، بحاجة لإيجاد منظومة مترابطة بين الشركات الكبيرة والأخرى الأصغر منها لخلق اقتصاد متوازن تقوم فيه المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالدور الذي تقوم به نظيراتها في الدول الأخرى. وللمقارنة، تذكر الاستاذة زهيرة سليمان عبيد في كتابها المعنون بمشكلات التحديث والتنمية السياسية في الدول الآسيوية: ماليزيا نموذجًا، إن الحكومة الماليزية ركزت «في البداية على اجتذاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأجنبية بهدف ربط العمليات التصنيعية بها بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية، لدعمها تكنولوجيًا وإداريًا...... وتتمركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة بين القطاعات الاقتصادية، في قطاعات التجارة والصناعات التحويلية والخدمات، وفي قطاع الصناعات التحويلية، ساهمت المنشآت الصغيرة والمتوسطة بأكثر من 90 في المائة من إجمالي عدد المنشآت الصناعية... وتركز نشاطها في الصناعات التحويلية والقائمة على الموارد الطبيعية مثل الغذاء والمشروعات والصناعات الخشبية والورق، ويذكر أن تطور المنشآت الصغيرة والمتوسطة في ماليزيا، شابه التطور في اليابان والولايات المتحدة والصين وكوريا وتايوان».