الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: هذه نبذة أو مقتطفات أو قبسات من وصايا وأوقاف بعض الشخصيات في بلد تمير في القرنَين الثالث عشر والرابع عشر الهجريَّيْن، قد جمعتها في كتاب (أوقاف في القرنَيْن الثالث عشر والرابع عشر للهجريَّيْن). فمن نعم الله على هذا البلد - وهي المملكة العربية السعودية - أن هيَّأ لها من يصحح بعض المعتقدات، ويلم شملها، هما الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله -؛ إذ نشرا الدعوة السلفية في جميع مناطق المملكة، ومركزها الدرعية، وعُيِّن في بلد تمير بعض الأمة والقضاة الذين شاركوا سكان بلد تمير في كتابة الوصايا وصياغتها وفق ما يأمر به الإسلام، ولا يتعارض معه. ومن هؤلاء الأئمة عيسى بن خريف، عبداللطيف بن حمد بن مفرج، عثمان بن محمد بن ماجد, عبدالعزيز بن إبراهيم بن هديب، إبراهيم بن ناصر بن هليل، عبدالمحسن بن عبدالله بن سلطان المهيدب، عثمان بن عبدالعزيز بن ركبان، عبدالله بن سلامة، علي بن عبدالعزيز بن عبد اللطيف بن مفرج، منصور بن عبدالرحمن بن عمران، عبدالرحمن بن علي بن حمدان، مطلق بن علي بن طامي، محمد بن علي بن عبدالعزيز بن عبداللطيف بن مفرج، ناصر بن عبد العزيز بن خريف وغيرهم. وتدل الوصايا والأوقاف الشخصية في بلد تمير على عمق تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في أعمال الخير إلى ما يقوي الروابط الاجتماعية بين سكان البلد، ويعمل على دعم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتغطية حاجة الفقير. ومثال على ذلك وصية محمد بن عبدالله القرشي المؤرخة 1282ه بخط عثمان بن محمد بن ماجد بعد أداء الشهادتين. ونص الوصية (أوصى بالقدر الكبير إلى ما فيه حلق، وهو من الثلث، وأوصى به سبلاً على من احتاج له من أقاربه، ولا يمنعونه عن من احتاج له، وأقر بأنه (البادين) ثم من احتاج من غيرهم، جعله سبلاً له ولوالديه والصفرية الصغيرة من الثلث سبلاً من طق الباب له ولجدته، وأوصى في ثلث ماله من النخل بضحيتين دوام له ولوالديه، وأوصى من الثلث في النخل بخمس وزان تمر لإمام مسجد تمير من غير الذي في وصية أمه، وأوصى في ثلث ماله من النخل بربيع دهن للسراج وخمس وزان للصوام، وأوصى من الثلث بعشر وزان تمر تفرق في رمضان على الضعفاء من حريم البلاد، وأوصى بعشر وزان على من ضعف من أهاليه الأقرب فالأقرب...) إلى آخر الوصية. بما أن فيه ضعفًا وفقرًا وجوعًا إلا أنهم يوصون في أعمال الخير. ولم تكن الأوقاف والوصايا مقصورة على الرجال، بل كان للنساء اللاتي يملكن مالاً وعقارًا وصايا أيضًا. ومثال على ذلك في وصية هيلة بنت حمد بن إبراهيم بعشر وزان، خمس وزان للصوام وخمس وزان لإمام مسجد تمير. وفي وصية رقية بنت محمد القريشي عشر وزان تمرن خمس للصوام وخمس وزان لإمام المسجد الجامع وربع الصاع ودك للسراج. ويوصي عامة أهل تمير عادة بثلث أموالهم لعدد من أعمال الخير، منها ما هو مخصص لذرية الموصي، ومنها ما هو عام للناس. وكان الحج من أبرز الأعمال التي يوصَى بها. ومثال على ذلك في وصية (عبدالله بن حمد بن محمد بعد أدائه الشهادتين لثبوت الإمام المرتب عليه عمل أركان أقر بأنه أوصى بثلث ماله بثلاث حجج، حجة له ولوالدته شايعة حجة ولأبيه حمد حجة، ولجعل الحجج لكل حجة عشر أريل. وأوصى بأربع ضحايا دوام منهن ضحيتان له لنفسه ولوالديه المذكورين على ضحية، ولهم الحل في الإعسار والعدم. وأوصى للصوام بعشر وزان كل سنة وعشرين وزنة تمر صدقة للمستحقين في رمضان كل سنة، وإن استحقها القريب فتدفع آلية، وأوقف باقي ثلثه على أولاده لصلبه وبعد اقتراض البنات من الأولاد الصلب وأولادهم ما تناسلوا...) إلى آخر الوصية. وأيضًا في وصية عثمان بن عبدالله بن برغش بعد أدائه الشهادتين أوصى في ثلث ماله تقربًا إلى الله تعالى، وطلب للثواب بحجة لوالدته فاطمة بنت علي بن مغامس، وحجة لأبيه عبدالله بن عثمان بن برغش، وحجتين له بنفسه، وأوصى بعشر وزان من فاضل ثلثه لأرامل البرغش وعشر للصوام وخمس لسراج المسجد الجامع أيضًا... إلى آخر الوصية. ويقوم أهل الموصي بتنفيذ الوصية، إما يحجون عنه أقاربه، أو يحج من أهل تمير من له استطاعة على الحج عنه، ويرد في بعض الوثائق التي كتبها بعض الذين أدوا الحج نيابة عن أحد من أهل تمير، فتراهم يشهدون بها أنهم أحرموا بالحج نيابة عن فلان، وأنهم ألموا بأركان الحج الأربعة على ما أحرموا به. كذلك يشهدون بعض الذين حجوا مع الفرد أنهم (أخوياه) في الحج، ويشهدون بأن فلانًا حج عن فلان. ومثال على ذلك في وثيقة، هي: بسم الله الرحمن الرحيم يعلم الناظر لذلك بأن يوسف بن طامي أشهد عثمان بن إبراهيم العثمان وعبد العزيز بن عيسى بن خريف عند الإحرام والإتمام حجة عبدالله بن حمد القريشي الذي جاعل عليها عثمان بن عبدالله البرغش وكيله وبرئ منها ذمة يوسف بن طامي، وكتب شهادتهم عبدالله بن زكري. والله خير شاهدًا ووكيلاً. حُرر سنة 1334ه. والحجة المذكورة 37 ريالاً. وهذه الوصايا والوثائق استخرجنا منها تكلفة الحجة في القرن الثالث عشر 1200ه إلى 1300ه، وهي ما بين عشر ريالات إلى عشرين ريالاً، تنقص أو تزيد. ومن 1300ه إلى 1350ه تكلفة الحج من 30 إلى 40 ريالاً. وبعد استقرار الدولة السعودية وتوحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في بدايتها من عام 1347ه إلى 1375ه تكون تكلفة الحجة من 150 ريالاً إلى 200 ريال، تزيد وتنقص. ومن أهم أعمال الخير التي يوصي بها أهل تمير في تلك الفترة أن يؤخذ من ثلث المال ما يضحَّى به عنهم، وعن والديهم وعن أولاد قد توفوا. وقد يطلق الموصي وصيته بالأضحية بقوله على الدوام. ومثال على ذلك في وصية (حمد بن إبراهيم بن مفرج بعد أدائه الشهادتين أوصى بثلث ماله من النخل والأرض والأثاث بست أضحيات دوام، منهن اثنتان ضحايا أمه اللتان وصت بهما في نصيبها في الأويسط، والثالثة ضحية أبيه إبراهيم التي أوصى بها في الحوطة، والرابعة لحمد والخامسة لوالدته فاطمة وإبراهيم والسادسة لزوجته حصة بنت علي. وأوصى بثماني وزان للصوام، وثماني وزان للسراج. وأوصى بحجة له وحجة لأمه فاطمة وحجة لأبيه إبراهيم...) إلى آخر الوصية. ويحرص بعض الموصين في بلد تمير على أن تشمل وصاياهم عددًا من أعمال الخير التي يحتاج إليها أهل البلد، وليست الوصية مقصورة على الحج والأضحية بل فيها كثير من أعمال الخير. مثال على ذلك: كانوا يوصون: 1- للمساجد: كانوا يوصون بعض أملاكهم للصرف منها على المساجد لترميمها وعمارتها، ويوصون بالأثلة لتعمير المسجد. وفي وصية عثمان بن حمد المؤرخة 1279ه بخط عثمان بن ماجد أوصى بالأثلة التي في جميجم لعمارة المسجد. والمساجد المشهورة في بلد تمير هي: المسجد الجامع ومسجد العاير ومسجد المراجيم، وهو في بداية القرن الرابع الهجري، وكان مصلى عيد، ثم انتقل في منتصف القرن (1340ه) إلى شمال البلدة على وقت إمامه إبراهيم بن ناصر الهليل وقاضي سدير عبدالله بن عبدالعزيز العنقري، وكذلك مسجد القوعة. 2- لسراج المسجد: يوصي عامة أهل البلد بسراج المسجد بريع ودك أو وقف نخلة دخلها إلى السراج صيانة ووقودًا له ودراهم إلى السراج كل سنة، ويكون السراج عامرًا ومنيرًا للمسجد طوال السنين، كما ذُكر في وصية حصة بنت فيصل التي أوصت بعشر وزان: للمطوع المسجد الأعلى والصوام للمطوع خمس وللصوم خمس وريالين لسراج المسجد. 3- لإمام المسجد ومؤذنه ومعلِّم القرآن: أيضاً يوصي عامة أهل تمير بمؤذن المسجد. ومثال على ذلك: في وصية عبدالعزيز بن عبدالله ثلاثون وزنة تمر لإمام مسجد الجامع، وعشر وزان للصوام، وريال لسراج المسجد، وسلجة عيش للمؤذن ودخينية الخارة لمعلم القرآن. 4- للصوام في رمضان: كذلك للصوام في رمضان نصيب في الوصايا والأوقاف في بلد تمير كما في وصية ناصر بن برغش المؤرخة عام 1337ه بخط ابن هليل عشر وزان تمر للصوام، وأغلب وصايا أهل تمير كانت للصوام. 5- الدلو: كذلك يوصون إلى الدلو، وهي التي تخرج المياه من الآبار: أ- الدلو قليب في مسجد الأعلى. ب- الدلو في المجابيب التي تلي بيت العبدالله. ج- الدلو الركية في السوق عند الجامع. وذكر في وصية ريس بن إبراهيم المؤرخة عام 1289ه بخط عثمان بن ماجد أنه أوصى فيها ب31 وزنة تمر، منها ثماني وزان لإمام مسجد تمير وثمان بين مقوم الدلو وشباب السراج أنصاف، يشرى بحق السراج دهن. وأوصى بريع دهن للسراج كل سنة وجلد للدلو يدهن لرمضان كل سنة. 6- يوصون بالأواني وأدوات الطبخ، مثل القدور والصفرية، وكذلك يوصون بالمنحاز وجميع ما يحتاج إليه المجتمع، كما ذكر في وصية القريشي أنه أوصى بالقدر الكبير الذي ما له حلق، وأوصى بالصفرية من طق الباب. كذلك يوصون بعذق نخل لمن طق الباب. هذا ما وجدت في الوصايا والأوقاف في بلد تمير، وهي التي تدير عجلة الحياة الاجتماعية والحياة الاقتصادية والتعليمية والسياسية. أ - الحياة الاقتصادية تدير اقتصاد البلد في البيع والشراء في التمر والعيش، وغيرها. ب - الحياة الاجتماعية تفيد الفقراء والمساكين، وتجعلهم يعايشون أهل البلد، ويُدخلون أولادهم التعليم. ج - التعليم أيضًا تديره الأوقاف، كالأوقاف لمعلِّم القرآن والمؤذن والإمام. د- السياسة: تدعم الأوقاف الجهاد في سبيل الله وتجهيز الجيوش وغيرها في خزانة الدولة. ولدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تأثير في الأوقاف والوصايا. وكانت الوصايا قبل الدعوة السلفية لها نمط معين، تبدأ بالبسملة، ثم يبدأ الموصي باسمه، ثم يطلق وصيته، ثم يختم بالصلاة على النبي. أما بعد الدعوة فيبدأ بالبسملة، ثم ينطق بالشهادتين، وهما شهادتا التوحيد، بأن يشهد (أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)، وأن الموت حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث ما في القبور، ثم يبدأ بإطلاق وصيته أو الوقف، ثم يختم بالصلاة على النبي. انظر إلى النماذج: نموذج(1)، و(2)، و(3). - خالد برغش عثمان البرغش