إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن أولى زياراته الخارجية ستبدأ من المملكة العربية السعودية، يُعد تأكيداً على عودة العلاقات السعودية الأمريكية إلى الأُسس التي نشأت ، وأنّ زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض في مارس 2017م، أعادت تلك العلاقة إلى مسارها الصحيح، كما أنّ الدلالات الأخرى التي لم يخفها الرئيس ترمب مع إعلانه عن الزيارة حول الثقل العربي والإسلامي باعتبارها قِبلة مليار مُسلم، وما تلعبه السعودية من دور سياسي وعسكري وأمني واقتصادي في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الاضطرابات التي أصابت عدة دول من الشرق الأوسط. انتهت فترة الرئيس أوباما بإرث كبير جداً من الملفات المعُقدة، لم تتخذ الإدارة الأمريكية مواقف حازمة فالنتيجة هي هذا الواقع، فأيادي إيران تعبث في سوريا والعراق ولبنان واليمن، «داعش» و«القاعدة» أزمات عنيفة تضرب العالم بدون أن تتوقف، في ظل ما كان من تراجع للدور الأمريكي خلال حقبة أوباما ، كل هذا لا يمكن أيضاً تجاهل الأزمة الاقتصادية وتراجع أسعار النفط، مما أحدث تباطؤاً في اقتصاديات عالمية مختلفة ، كل هذه الأزمات تريد قرارات صارمة تُحدث تغييراً حقيقياً وتخفف من احتقان المنطقة والعالم. منذ حملة ترمب الانتخابية كان واضحاً حيال السياسات الإيرانية ، ومن الممكن اليوم استشراف الأسلوب الأمريكي الجديد الذي ستتعامل به مع الإيرانيين، فالخطة الجديدة لمكافحة الإرهاب ستصنّف كل الأذرع الإيرانية بأنها جماعات إرهابية، وستبدأ التعامل مع هذه الأطراف (حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي) بفرض عقوبات اقتصادية لإضعافها، فهذه الجماعات تبني استراتيجيتها بالتوغل داخل المجتمعات السكنية مما يجعل مواجهها عسكرياً يحمل درجة عالية من الخطورة على المدنيين. الإيرانيون يدركون تماماً أنّ الإدارة الأمريكية جادةٌ تماماً في مراجعة الاتفاق النووي والتعامل بصرامة مع هذا الاتفاق، خاصة وأنّ الفترة السابقة أكدت أنّ إيران استخدمت أموالاً كبيرة في دعم الجماعات الإرهابية في المنطقة، وهنا يبرز مجدداً دور السعودية التي تقود «التحالف العربي» الهادف لاستعادة الشرعية في اليمن، و»التحالف الإسلامي» لمكافحة الإرهاب ، وهو ما يتم تداوله خلال الأفكار الجديدة في مكافحة الإرهاب والتطرف ، والذي من المؤكد سيعتمد على مواجهة صارمة لسياسة التدخل في شؤون الآخرين وهو النهج الإيراني الذي تمول به الجماعات المتطرفة في داخل الدول. القضية الفلسطينية ستكون واحدة من أهم الملفات التي ستتناولها مباحثات ترمب مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، فزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمملكة، أكدت أنّ المبادرة العربية للسلام مازالت مطروحة على الطاولة، وأن على إسرائيل إدراك أهمية التوافقات العربية حولها وأن تبادر إلى الموافقة عليها عملياً بإيقاف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية 1967م. الأمريكيون يدركون أن السعوديين شركاء حقيقيين لهم ، وأن السعودية لاعب سياسي واقتصادي مؤثر في العالم ، فكما أنّ السياسة السعودية نجحت في مكافحة الإرهاب عبر استراتيجيات متعددة أمنية وفكرية، فإن الثُقل الاقتصادي يمثل مُحركاً رئيسياً للأسواق الصناعية والمالية في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة ، وما تمثله رؤية السعودية 2030 من طموحات اقتصادية، سيكون لها أبعادها في الشرق الأوسط والعالم، نتيجة خطط الرؤية السعودية لاستقطاب استثمارات خارجية ضخمة ستعمل على تحريك عجلة الاقتصاد الإقليمي والعالمي بشكل غير مسبوق. جديرة هذه السعودية أن تكون المبتدأ والخبر كذلك ، فهذه البلاد عملت على وضع سياسة واضحة منذ نشأتها، من خلال إدراك قادتها الكرام على أنها قائدة العالم العربي والإسلامي ، هذه القيادة التي نرى تأثيرها فعلياً في بناء التحالفات المختلفة لمواجهة التحديات المتوالية على المنطقة، وكيف تصدّت للإرهاب وتحملت مكافحته بأساليب مبتكرة بدأت الكثير من دول العالم بالاستفادة منها نتيجة ما حققته السعودية من نجاحات باهرة.