ما زلت أذكر حديثاً لأحد القضاة عن بعض ما خلفه التعصب الرياضي من الطلاق بين زوجين بسبب سخرية أهل الزوجة بالنادي الذي يميل له الزوج ومشاركة الزوجة الضحك معهم، وخلاف آخرين أخوين شقيقين استمر عدة سنوات وحصل على أثره انقطاع عن صلة الرحم. وكم وكم من القصص والروايات بل والحوادث المؤلمة بين الأهل والزملاء والجيران، والبغضاء والقطيعة والخصام والتنازع والهجر. ولا أحد ينكر ما للإعلام من أثر بالغ في رفع وتيرة التعصب أو التقليل منها، وكانت الصحف والمجلات وبعض البرامج الرياضية هي جزء من وقود هذا التعصب وبث الاحتقان في المجتمع، ومع التطور في وسائط الاتصال عبر الفضائيات ومواقع شبكة العنكبوتية ووسائط التواصل الاجتماعي تفاقمت ظاهرة التعصب الرياضي فبدلاً من برنامج رياضي أسبوعي منضبط أصبحت هناك العشرات من البرامج اليومية وليست الأسبوعية، وهناك العديد من القنوات الرياضية الرسمية والخاصة وأصبحت مسرحاً و(مردحاً) لمن هب ودب يضاف لهما، ثالثة الأثافي مواقع الاتصال الاجتماعي التي أسهمت في إصدار الغثاء والخواء في كل ثانية ومع كل حدث رياضي، يبدأ التراشق والشتم والتطاول على الذمم والأعراض دون أي التزام ديني أو أدبي، وللأسف أصبح هؤلاء الذين يشاغبون ويشاكسون من (المشاهير) الذين يترقب الناس (طلعاتهم) غير الموزونة ويجاري السفيه المشهور سفهاء آخرين في أول الطريق بوضع علامات الإعجاب أو إعادة نقل البذاءات وتسويقها. ولا ننسى -أيضاً- بعض المشاركين ممن لديهم مراهقة متأخرة بتصرفاتهم وسلوكياتهم الصبيانية. ولم يعد لدى بعض القنوات احترام للمهنية ولرسالة الإعلام وكأنها تمارس التسويق السوقي عبر استضافة (شلل) يبدون للمشاهد والمستمع العاقل (أضحوكة) ولكنهم في الطرف الآخر عند الشباب مرغوبين ومطلوبين لما يصدر منهم من أمور خارج نطاق الأدب واللباقة والالتزام، ولربما أعاد الشباب عبر المقاطع المصورة شيئاً من المشاهد التي لا تمثل الوعي والمسؤولية وما ينبغي أن يكون عليه الإعلامي. كان البعض يتحاشى الذهاب للملاعب الرياضية بمفرده أو بصحبة أبنائه لما يسمعه من ألفاظ نابية وسوقية من بعض الجماهير، ومن سباب وشتائم وإذا ببعض المشجعين للأسف ينتقلون كمحللين رياضيين وتتسابق القنوات الفضائية على استضافتهم، فلا نعجب بعد ذلك أن ترى ظاهرة التعصب تزداد لدينا. لقد عرفت الصحافة الرياضية لدينا وفي الدول الأخرى الإثارة الإعلامية والتأثير المباشر لها في رفع وتيرة الحماس للفرق والتنافس داخل الملاعب وخارجها بين الجمهور الرياضي وربما كانت سبباً في تأجيج المشاكل، ولكن الوضع الحالي لا يسر أبداً. من قدر له الاستماع لبعض البرامج الرياضية سواء عبر الإذاعات أو التلفزيون سيتألم من واقع الإعلام الرياضي وما يحدث فيه من غثاء، ويزداد العجب أن نرى بعض الإعلاميين الذين تجاوزوا الستين عاماً وهم يتنافسون مع المبتدئين الصغار في الخروج عن النص والتعدي على الآخرين، وإذكاء روح التعصب وتأجيج الشارع الرياضي. ومما يسهم في التعصب الرياضي بعض المنتمين للأندية من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات وأعضاء شرف في أحاديثهم الإعلامية قبل وبعد المباريات على الرغم من وجود قرارات للانضباط إلا أنها لم تردع البعض ممن ألفوا الإثارة السلبية والتعصب الممجوج. والخطوة الأخيرة من بعض الجهات المسؤولة في مواجهة التعصب الرياضي وبواعثه تستحق الشكر والالتفاتة وإن جاءت هذه الخطوة متأخرة، والمؤمل فيها الخير في إعادة الروح الرياضية المفقودة منذ زمن شريطة الحزم في اتخاذ القرارات وعدم التهاون مع المسيئين مهما كانوا حتى ولو تم منعهم من الظهور الإعلامي ودخول المنشآت الرياضية، واستصدار الغرامات المالية، والجزاءات الإدارية فالأصل أن تكون الرياضة منمية للأخلاق ومقومة للسلوك وليس أداة للشحناء والبغضاء والعداوة.