فجر يوم الخميس 21 آذار 1968م لم يكن فجرًا عاديًا؛ لقد كان فجرًا جديدًا في تاريخ شعبنا وأمتنا؛ كان فجر أبطال المقاومة الفلسطينية بامتياز، بقيادة قوات العاصفة وقائدها الرمز الخالد الشهيد ياسر عرفات، فجر التصدي لأرتال القوات الصهيونية الغازية التي عبرت يومها نهر الأردن للقضاء على المقاومة الفلسطينية وفق ما أعلنه موشي ديان وزير الحرب الصهيوني، لكن الفدائيين الفلسطينيين وتلاحمهم مع أسود الجيش العربي الأردني قد تصدوا بكل بسالة وشرف للقوات الغازية، ولقنوها درسًا من دروس الحرب التي ما زالت عصية على النسيان. ودامت المعركة يومها من الرابعة فجرًا إلى السابعة مساء، أي قرابة خمس عشرة ساعة، دُمِّر فيها العديد من الدروع والدبابات والآليات الغازية، واحترقت تحت نيران المقاومة الباسلة وألغامها البشرية المتفجرة، وسقط العديد من المظليين الذين ألقى بهم العدو في أرض المعركة في كمائن الفدائيين، وما إن أصبحت الدروع والآليات الإسرائيلية تحت مرمى المدفعية الأردنية، حتى صدرت الأوامر من المرحوم البطل مشهور الحديثة رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني للكتيبة السادسة مدفعية، التي كان يقودها العقيد سامي حسن الطوس، وانهالت قذائفها حممًا على الآليات والدروع الإسرائيلية. وقد وقع خلال المعركة أكثر من ألف وخمسمائة إصابة بين أفراد قوات العدو الغازية، وسقط العشرات من الشهداء من قوات المقاومة الفلسطينية الأردنية الباسلة، ثلاثة وثلاثون شهيدًا من قوات التحرير الشعبية، أذكر منهم ابن عمي الشهيد البطل عبد الرحيم عيسى جاموس، الذي كنت قد ودعته في الخميس السابق لمعركة الكرامة، والذي حضر بعد غياب في الأرض المحتلة، في ((مهام عمليات قتالية داخلية))، دامت ثلاثة أشهر، وكان قد نُعي أثناءها من قِبل قوات التحرير الشعبية شهيدًا، لكنه فاجأنا بالحضور حيًّا في بداية آذار لقضاء إجازة بطرفنا، وكانت مفاجأة لنا وفرحة كبرى لنا، وأذكر حديثه لنا ((أنه لا يزال له عمر من أجل أن يواصل قتال هذا العدو الذي لن يثنيه عنه شيء، فإما النصر أو الشهادة))، وقد كتبت له الشهادة في ذلك اليوم العظيم. وكذلك قدمت قوات العاصفة مائة وعشرين شهيدًا، يتقدمهم الشهيد البطل الفسفوري، الذي بقي ذكره خالدًا بين رفاقه وأبناء دورته الأربعة والخمسين الذين كانوا قد حضروا لأرض المعركة لتوهم من دورة الصاعقة التي تلقوها لدى الجيش العربي المصري، وشاركوا في معركةالكرامة. وقدم الجيش العربي الأردني اثنين وستين شهيدًا في المعركة بين جندي وضابط صف وضابط من بواسله الأبطال. وقد اضطر العدو يومها إلى طلب وقف إطلاق النار؛ حتى يتمكن من إجلاء حطام قواته من أرض المعركة. هكذا خاب يومها رهان وزير الحرب والعدوان موشي ديان في القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل ازدادت على أثرها عنفًا واتساعًا والتحامًا مع الجيش العربي الأردني، ومع الجماهير الشعبية الفلسطينية والأردنية والعربية، وتصاعدت أعمال المقاومة الفلسطينية الأردنية من أم قيس شمالاً إلى العقبة جنوبًا، وكانت حرب استنزاف شرسة، قضت مضاجع الاحتلال، واتسع نطاق العمل الفدائي على أثرها، الذي شاركت فيه الفصائل الوطنية والقومية كافة ليرد للأمة روحها وعزتها وقدرتها، وأثبتت حركة «فتح» مبدأها في أن التحرير طريق الوحدة، وأن المقاومة والكفاح هما طريق النصر والتحرير، وأعطت معركة الكرامة البرهان الساطع على ذلك، وأعلن بعدها المغفور له الملك حسين أنه الفدائي الأول، كما أعلن المغفور له الرئيس جمال عبد الناصر أن حركة «فتح» أنبل ظاهرة أنجبتها الأمة، وأنها وجدت لتبقى، ويكمل القول القائد الفدائي الرمز ياسر عرفات ولتنتصر...!!