ثورات العبيد المملوكين قبل الميلاد أطاحت بالسلطة السياسية متمثلة بالأسياد المالكين للأرض والعبيد والإنتاج، ثم استلمها مالكون جدد: هم الإقطاعيون. كما أنها أطاحت بسلطة المعبد الوثني وسلمتها للكنيسة. أما ثورة الفلاحين الأحرار المسماة بالثورة الفرنسية فقد نقلت السلطة السياسية من الإقطاع إلى الرأسمال، وفصلت (شكلياً) سلطة الكنيسة عن السلطة السياسية، ولكنها لم تستطع إحلال الديمقراطية سياسياً ولا فصل سلطة الكنيسة نهائياً عن شؤون الدولة. الثورتان المذكورتان تشتركان في رفع مستوى الإنتاج وبناء النظام السياسي الملائم له. ولكن ثورة العبيد حولت السلطة السياسية بالكامل إلى سلطة الإقطاع، وحولت كذلك سلطة المعبد الوثني بالكامل إلى سلطة الكنيسة، واستطاعت الثورة الفرنسية -أعظم ثورة في التاريخ- أيضاً تحويل السلطة السياسية بالكامل إلى الرأسمال، ولكنها عجزت عن تحويل سلطة الكنيسة إلى العلمانية...لماذا؟ بعد نجاح ثورة العبيد في نقل السلطة للإقطاع، أسست القاعدة لنظام لم يأتِ أوانه بعد، يمتلك فيه المنتج ليس واجبات وحسب، إنما حقوق تجعله لا يقف عند مرحلة تطورية ما، أي أن الفلاح الحر والذي دفع دمه ثمناً للثورة لم يستبدل نظام استغلالي بآخر وحسب، إنما حقق الخلاص من العبودية وتثبيت الحرية للمنتجين، وزرع البذرة لنظام ما بعد الإقطاع. الإقطاعيون حاولوا سلب آدمية الفلاح الحر واستعباده من جديد بواسطة الديون المتراكمة، ولكن آدميته أعطته الفرصة فيما بعد للتوجه للإنتاج الصناعي الذي يحرره من الزراعة وعلاقاتها المتخلفة برمتها. بذلك يكون العبد الذي أصبح حرّاً قد هيأ القاعدة للمنتج الأكثر حريةً منه، ألا وهو العامل الصناعي، أي أن العبد بإسقاطه للعبودية أنشأ النظام الإقطاعي، وفي نفس الوقت أسس الوليد الجديد داخل النظام الإقطاعي، الذي يتطلب نشوء النظام الرأسمالي بمؤسساته التي تتناسب مع البنية التحتية الجديدة. الوليد الجديد هذا لا يحتاج إلى حرية مكتوبة على ورق، إنما حقوق تضمن له الحد الأدنى من العيش الكريم، أي تحديد ساعات العمل والراحة والمسكن والنقل والضمان الاجتماعي له ولأولاده وغير ذلك. هذه الحقوق تتطلب مؤسسات تثبتها (دستور) وأخرى تنفذها وتحميها وتطورها بمقدار ما تتصاعد عملية الإنتاج، أي مأسسة السلطة. كما تتطلب أيضاً حماية مؤسسات الدولة من المتسلطين، وهذا لا يتم إلا باشتراك المالك والمنتج في صياغة وصيانة المؤسسات، وهو ما يسمى بالديمقراطية التي لم تر النور بعد. وعي الشغيلة يجب أن يكون محمياً أيضاً، فالحقوق ليست هبة من أحد، إنما هي منتزعة انتزاعاً، ودُفِعَ ثمنها دماً، ولا يجوز التفريط بها بحجة الخصوصية أو القدسية لرجال الدين الجبريين، وهو ما يدعى (العلمانية). اكتساب المنتج حقوقاً وخروجه من العبودية او الاستعباد المقنع إبّان الإقطاع، يؤسس لمنْتِج جديد، يشارك بفعالية في صناعة القرار وتوزيع الدخل القومي، وبالتالي لن يستبدل هذا الجديد نظاماً استغلالياً بآخر، إنما وجوده يشترط وضع نظام جديد يزيح الاستغلال الذي تراكم عبر آلاف السنين تدريجياً، باتجاه مجتمع خالي من الاستغلال. بعد تحول الاستغلال إلى الشكل الاستعماري، أصبحت مهمّة إنهاء الاستغلال لا تخص دولة أو مجتمع واحد، إنما تتطلب نظاما دوليا جديدا يعيد بناء علاقات الإنتاج الكونية على أساس مصالح الشعوب والأمم والأفراد، أي العولمة.