للموت رهبة لا يشعر بها إلا من فقد قريباً أو عزيزاً، حيث تختلط مشاعر الحزن والخوف والرجاء، فعند سماع خبر وفاة أخي اللواء صالح العلي الخضير شعرت بقشعريرة تهز كياني وأصابني الذهول والرهبة، وطاف بالذهن سلسلة من الذكريات البعيدة والقريبة، فعادت بي سنين طويلة إلى قريتنا الصَّغيرة (النفيد) ذات البيوت الطينية التي لا تتجاوز العشرين بيتاً في رياض الخبراء بالقصيم، تحفها المزارع وتنعم بالهدوء والسكينة إلا من أصوات الطيور الجميلة وصرير السواني، قبل أن تحل محلها مكائن الرستم والبلاك ستون. وفي تلك القرية الصَّغيرة الهادئة يتلقى صالح تعليمه الابتدائي والمتوسط وفي الرياض يواصل تعليمه الثانوي ويلتحق بكلية فهد الأمنية في مبناها القديم بالغرابي، وكان لي شرف حضور حفل تخرجه وكانت الأسرة سعيدة بتلك المناسبة. وعند تخرجه كانت بداية عسكرة الجوازات تحت قيادة الرجل الرائع اللواء عبد القادر كمال الذي احتضن الخريجين ومنهم صالح، وهيأهم نفسياً وإدارياً لمواجهة حياتهم العملية المستقبلية، وتم توجيه المرحوم للعمل في جوازات مطار الرياض فأتيحت له فرصة الاختلاط والتواصل مع الناس وخدمتهم وكسب علاقات ومعارف واسعة، وتدرج في السلك الوظيفي العسكري إلى أن أصبح نائباً لمدير جوازات منطقة الرياض فتوسعت علاقاته بالناس وحقق سمعة طيبة ليس من ناحية كفاءته الإدارية بل من ناحية خدمة المراجعين ومساعدتهم وتفهم مشاكلهم وحلها، ثم أصبح مديراً للجوازات وفي عهده حققت الإدارة قفزات مشهودة من ناحية تطوير العمل واستخدام التقنية وتسهيل وتسريع إجراءات العمل ودقتها. كما كسب ولله الحمد رضا وحب المراجعين. ولعلي لا أزيد في ذكر مناقبه وأكتفي بما قاله عنه صديقه وزميله ورئيسه اللواء مرزوق الروقي مدير جوازات منطقة الرياض سابقاً وكان اللواء صالح - رحمه الله - مساعداً له في رسالة لابنه (صالح الخضير كان نعم الأخ والزميل والصديق لجميع من زاملهم وتعامل معهم. لم يحمل في يوم ضغينة أو كرهاً لأحد، قلبه كالصفحة البيضاء لا يحمل حقداً ولا يتردد عن مد يد العون لمن احتاج له. عمل معي في مواقع مختلفة نجتمع حيناً ونفترق حيناً وكان آخرها حينما عمل مساعداً لي في جوازات منطقة الرياض، ثم استلم الإدارة من بعدي، ويعلم الله أن سيرته لم تتغير ولا طريقته في المحبة والألفة الصادقة لزملائه صغيرهم وكبيرهم. لم يأتِنا يوماً يشكي من أحد أو يشكي على أحد فالكل له محب وهو محب للكل) انتهى كلام اللواء مرزوق الروقي. لا شك أن مصابنا جلل وألمنا عميق غير أن ما سمعناه من المعزين بكافة أطيافهم من كل مناطق المملكة والحشود والاتصالات التي أتت معزيةً من كل مكان عن سيرته العطرة وثنائهم الجم عليه وعن لطف معشره وحسن خلقه وحبه للخير ومساعدة الآخرين، وما سمعناه من قصص وأمثلة عن أعماله وحسن إدارته ودوره في الارتقاء بخدمات الجوازات إبان توليه إدارتها. كل ذلك كان خير عزاء لمصابنا والبلسم الشافي لجراحنا، والحمد لله ترك زوجة صالحة صابرة محتسبة وخلف ابناً وبنات صالحين ناجحين جادين في تحصيلهم وعملهم، فنسأل الله أن يغفر له ويرحمه وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة. وأن يجزي كل من عزانا وواسانا في مصابنا عظيم الأجر والثواب، و{إنا لله وإنا إليه راجعون}.