نقرأ ونسمع بين حين وآخر عن أخبار االصواعق البرقية التي تحدث أثناء تراكم السحب وهطول الأمطار، تدمر المنشآت والممتلكات وتودي بحياة الناس، فما هي إذن حقيقة هذه الصواعق؟ وهل ثمة طرق لتلافيها وتجنبها؟ أو على الأقل التخفيف من آثارها وتبعاتها، لنحاول أن نتعرف على حقائقها وكيفية حدوثها وطرق تجنبها بمشيئة الله. التوعية بمخاطر الصواعق البرقية تكثر الصواعق البرقية أثناء تكاثف السحب ونزول الأمطار، وحيث إن البرق يخلب البصر ببريقه الوهاج وسناه الأخاذ كما في قوله تبارك وتعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} النور:43، فهو إلى جانب وهجه وبريقه وسناه يكاد يكون سببا في الكثير من المآسي والكوارث التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات والمباني وكافة الممتلكات، لذا فإن الكثير من الناس قد لا يعي المخاطر المترتبة عند حدوث الصواعق البرقية، ولهذا فليس لديهم الوعي الكافي لاتقاء شرورها وتجنب مخاطرها المدمرة، لذلك فلا بد من التعليم والتثقيف في هذا الشأن وتبيان خطوات الأمان وتدابير السلامة التي يجب اتخاذها والالتزام بها لتلافي آثار تلك الصواعق أو على الأقل التخفيف من آثارها وعواقبها عند حدوثها أثناء مواسم الأمطار وتكاثف السحب ووميض البرق وهدير الرعد. الانتباه عند بدء ظهور الصاعقة البرقية تظهر العواصف البرقية عادة في مواسم الأمطار عموما ولدينا في فصل الشتاء والربيع خاصة حيث موسم الأمطار (بدءا من منتصف شهر أكتوبر وحتى نهاية شهر أبريل)، وتمر تلك العواصف البرقية بمراحل التكون والتراكم، فعندما ترسل الشمس أشعتها نحو الأرض تتكون تبعاً لذلك بعض الجيوب الهوائية الدافئة حيث تبدأ في التصاعد في طبقات الجو العليا، وعندما يصل ذلك التيار الهوائي الساخن مستويات معينة في الجو تبدأ السحب بفعل البرودة في تلك الأجواء في التجمع والتراكم، وعند استمرار الحرارة ينجم عنها نمو مطرد في تلك السحب بشكل رأسي إلى أعلى مكونا سحبا تشبه الأبراج في تكويناتها، وهذه الأبراج السحابية المتراكمة تشكل البدايات والشواهد الأولية لبدء حدوث العواصف البرقية. التفريغ البرقي: إياك أن تكون جزءاً منه عند حدوث الصواعق البرقية يكون هناك بعض الإشعاعات البرقية الوهاجة تتخذ طريقها نحو الأرض على شكل خطوط شديدة الوهج في انتشارات متباينة وطرق متعرجة تحمل في طياتها خطرا داهما عند التقائها بأجسام تعترض طريقها نحو الأرض من بشر أو آليات أو أشجار أو مبان، وهذه العواصف البرقية تحمل تيارات كهربائية عالية جدا، وعندما تسير هذه التيارات الكهربائية الفائقة الحجم في الأرض تسبب بلا شك صعقات كهربائية مميتة لمن يمشي على تلك البقعة من الأرض ويكون غافلا عن تلك المخاطر أو ربما لا يعيرها أي انتباه أو اكتراث. عندما تبدأ الصاعقة البرقية في الظهور ماذا يجب عمله يمكن للبرق أن ينتقل مسافة تقدر بحوالي عشرين كيلا من المنطقة الممطرة التي تتكون في سحبها وهي المسافة التي يمكن سماع الرعد خلالها، وقد يكون ثمة صعوبة في التنبؤ بحدوث الصاعقة ومن ثم التهيؤ والاستعداد لمجابهتها واتخاذ الاستعدادات والاحتياطيات لتجنبها وتلافي مخاطرها، وإذا قدر لنا أن نسمع صوت الرعد فيجب أن نعرف بأننا قاب قوسين أو أدنى من حدوث الصاعقة البرقية فعندئذ يجب علينا في الحال أن نبحث عن أقرب ملجأ نحتمي فيه ليقينا -بمشيئة الله- من خطرها الماحق حتى تتلاشى وتزول. ممارسة الأنشطة في الهواء الطلق (خارج المباني): تحدث أكبر نسبة من حوادث الصواعق البرقية أثناء نزول الأمطار وبخاصة عند خروج الناس للبرية للنزهة والتريض، حيث ينصبون خياما للإقامة فيها أو التنقل للاستمتاع بمرأى آثار السيول وتجمعات المياه وجريانها في الوديان والشعاب، ولذلك يكون الإنسان أكثر عرضة لمخاطر تلك الصواعق التي ما تفتأ تجوب صفحة السماء وتنتقل بين السحب المتراكمة فيها، لذلك يجب علينا التريث وعدم الخروج للبرية حتى تهدأ تلك الصواعق البرقية وتخف وطأتها ويزول خطرها بإذن الله. كيف تحدث العواصف البرقية وتصل إلى الأرض؟ يعرف البرق بأنه تفريغ للكهرباء الساكنة يحدث ضمن السحابة أو بين السحب أو بين السحب والأرض. ولا يزال العلماء في حيرة من تفسير ظاهرة البرق إلا أن معظمهم - تفسيراً لهذه الظاهرة - يعتقد أنه أثناء حركة السحب والتقائها واحتكاكها ببعضها تتولد تبعاً لذلك شحنات كهربائية (موجبة وسالبة) فالموجب منها يتراكم في أعلى السحب والشحنات السالبة تتراكم في أسفلها، أما الأرض فتكون عادة مشحونة بشحنات موجبة بالنسبة للغلاف الجوي، وبهذا يكون التجاذب بين الشحنات السالبة في أسفل السحابة والقريبة من الأرض بتلك الشحنات الموجبة المتراكمة على سطح الأرض. ومن المعروف أن الشحنات السالبة هي عبارة عن الكترونات وهي أصغر بآلاف المرات من الشحنات الموجبة (الأيونات) الأمر الذي يجعلها تتحرك بشكل أكثر سرعة ومرونة وبالتالي تغطي أكبر مساحة من الفضاء وعندئذ يمكن رؤية بداية الصاعقة البرقية ويطلق عليه (القائد). وفي اللحظة التي يحين فيها التقاء الشحنات الموجبة والسالبة لذلك القائد يتشكل معبر موصل بين السحابة ذات الشحنات السالبة والأرض ذات الشحنات الموجبة محدثة ذلك الوهج الخاطف (البرق). وتظل شحنات (القائد) وكأنها رتل من السيارات يقف أمام إشارة حمراء ويتراكم حتى تضيء الإشارة الخضراء ثم يندفع ذلك الرتل مخلفاً ذلك الضوء الباهر الذي يصف الصاعقة البرقية، ومن الغريب في الأمر أن تلك الشحنات المسببة للبرق تندفع نحو الأرض إلا أننا نرى الضوء يتحرك نحو الأعلى!. وتلك الشحنات تحمل تيارات كهربائية عالية يتم تفريغها عادة في الأقرب لها من أشجار وبنايات وأجسام عالية. ومن المعروف بأن الهواء (الفراغ) ذو مقاومة عالية لا يمكن للتيارات الكهربائية عادة اختراقه، ولكن نظرا لأن الجهود الفولتية التي تتحرك بها تلك الشحنات عالية جدا قد تصل إلى مائة مليون فولت فعندئذ يمكن لطبقة الهواء أن تتأين (تتداعى قوة العزل) ومن ثم تسمح بمرور التيارات الكهربائية من تلك الشحنات. الحماية ضد الصواعق البرقية إن تلك الشحنات الكهربائية الهائلة التي تحملها تلك الصواعق البرقية يمكن أن تصل إلى سطح الأرض، ثم يتم تفريغها في أي جسم يعترض طريقها من شجر أو منازل أو منشآت أو حيوان أو إنسان. وفي الحقيقة كانت هذه الظاهرة محط اهتمام كل إنسان، ولكن التاريخ يذكر أن أول وسيلة للحماية تم اكتشافها جاءت نتيجة للجهود التي بذلها العالم الأمريكي بنيامين فرانكلين من خلال أبحاثه بين عامي 1740 و 1750م، وتمخضت عن ذلك الاختراع الذي عرف ب«قضيب فرانكلين»، ومنذ ذلك التاريخ تطورت وتقدمت طرق الحماية والأمان ضد الصواعق البرقية مع تطور وانتشار التقنية لحماية الإنسان ووقاية المنشآت والأجهزة والمعدات الميكانيكية والكهربائية من الآثار التي يمكن أن تخلفها تلك الصواعق والعواصف البرقية.ومن وسائل الحماية المتاحة ما يعرف ب «مانعة الصواعق (lightning arrestor) وهي في الواقع لا تمنع حدوث تلك الصواعق ولكنها فقط توفر لها الطريق الآمن بحيث تمر من خلاله وتتجه مباشرة إلى الأرض وتفرغ شحناتها الكهربائية الهائلة فيها عوضاً عن أن تفرغها في منشآت عمرانية ومبان سكنية مسببة في ذلك وفيات وتلفيات وحرائق ودماراً، نسأل الله السلامة للجميع امتثالا لقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (البقرة) 195. ** ** ** * أستاذ الهندسة الكهربائية - جامعة الملك سعود