الدولة الكهنوتية في إيران ستنتهي حتما مهما كانت قوة وشراسة قمع أجهزتها البوليسية؛ فالدولة اليوم لا يمكن أن تقوم، فضلا عن أن تبقى وتستمر، إلا بالحفاظ على توازن طرفي (العقد الاجتماعي) حُكامها ومحكوميها، وإذا اختل هذا التوازن سقطت حكما؛ ولا يحتاج المحلل الراصد إلى عمق معرفي في الشأن السياسي ليلحظ أن الدولة الدينية، بعد أن اكتشف الإنسان (الدولة المدنية)، لا يمكن لها أن تبقى؛ بمعنى أن سقوطها حتمي طال الزمان أو قصر، لأنها تنطلق في شرعيتها من منطلقات ونظريات لا يمكن البتة أن يقبلها إنسان هذا العصر؛ فالفرد المواطن في دولة اليوم له متطلبات حياتية، لا يمكن أن تتماهى مع أهداف وغايات وطموحات الدولة الكهنوتية المذهبية؛ فما الذي يستفيد الإيراني من رغبة الملالي الجامحة في التوسع والسيطرة على قرارات دول الجوار، والصرف على هذه الطموحات بسخاء، في الوقت الذي يتضوّر فيه الإيرانيون جوعا ويشكون من الفقر والفاقة والعوز والبطالة، خاصة وهم يرون أموالهم وثرواتهم تُبذّر بلا حساب لنصرة قضايا لا تنعكس على أوضاعهم المعيشية المتفاقمة والخدماتية المتخلفة؟ كما أن نصرة المذهب الشيعي الذي يقولون إنهم يدعمونه، يتقدم عليه، التعنصر للفرس على بقية المكونات الإيرانية؛ بمعنى أن دولة الملالي عند قراءة شرعيتها الظاهرة والباطنة ستجد التمذهب الشيعي في الظاهر لكنهم في الباطن يجعلون من العرق الفارسي عنصرا متفوقا على التمذهب؛ أي أنهم فرس أولا وشيعة ثانيا. وهذا ما يجعل سقوطها ونهايتها حتمية. غير أن ما سيبقى ربما لعقود وأجيال، حتى بعد سقوط نظام الملالي، هو ما أشعله هذا النظام من حرائق مذهبية، ونعرات، وكراهية، وأحقاد بين المكونين الرئيسيين للمسلمين، السنة والشيعة. خذ البحرين كمثال على ما أحدثه هذا الغول الإيراني من تشظي للحمة الوطنية البحرينية؛ فهذه الدولة الآمنة سبق وأن تصدى أهلها سنة وشيعة مجتمعين لمحاولات إيران الشاه لضمها لإيران في الستينيات من القرن الماضي، وصوتوا على الاستقلال عندما أجرت الأممالمتحدة استفتاء حول استقلالها أو انضمامها لإيران، فاختار البحرينيون بجميع مكوناتهم الاستقلال، غير أن أطماع الإيرانيين في البحرين عادت ممتطية (بغلة) المذهبية، فأحدثت في النسيج البحريني الوطني من الفرقة والتشظي من الجروح الغائرة ما لن يندمل بسهولة، وفي زمن يسير. والشيعة في منطقة الخليج عموما أقلية، والأقليات هم من سيتضررون من النعرات الفئوية والطائفية، ومن سيدفعون الثمن باهضا في المحصلة بعد سقوط دولة الملالي؛ فضلا عن أن إيران تستخدمهم كمطايا لتحقيق أهدافها التوسعية، وإلا فإخوانهم في المذهب والعروبة، أعني شيعة (الأحواز) يعانون من تسلط الفرس وقمعهم وعنصريتهم وتشويه (هويتهم) العربية، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، ما يؤكد أن المذهب لا علاقة له بمشروعهم التوسعي، بقدر ما يوظفونه لفرض تسيد الفرس كعنصر، يطغى على أي قومية أخرى. فهل يدرك إخواننا الشيعة الخليجيون ذلك؟ إلى اللقاء.