هل عداوتنا لإيران منطلقاتها طائفية ومذهبية؟ هذا ما يحاول عملاء إيران في المنطقة العربية، وعلى رأسهم «نصر الله» وأبواقه، إلصاقه بنا نحن الخليجيين، وبالذات المملكة. بينما أن سببها أنهم يحشرون أنوفهم في شؤوننا، وقضايانا الداخلية، وكأنهم مسؤولون عن كل شيعة العالم، أما الهدف الحقيقي فلأنهم دولة توسعية، تسعى إلى ابتلاع كل الدول العربية، وتحويلها إلى كويكبات تدور في فلك الامبراطورية الفارسية؛ وهذا هو أس الخلاف ومبعث العداوة. المملكة ودول الخليج يهمها أول ما يهمها الأمن والاستقرار و(التنمية)، والارتقاء بمواطنيها إلى مرحلة تكون فيها ثروتها ومداخيلها موجهة إلى الإنسان ورخائه وسعادته، وتقديم الخدمات التي تجعل إنسانها في المحصّلة يعيش في فسحة من الرخاء والطمأنينة والأمن والاستقرار. لكن مشكلة منطقتنا التي نعيش فيها أن رياحها تجري بما لا يشتهي ربابنتها، فيضطرون إلى مقاومة الرياح المعاكسة بأية وسيلة أو أسلوب، من شأنها أن يكفل حمايتها أولا من القراصنة، وثانيا بما يكفل أن تسير في الاتجاه الصحيح الذي يحقق لها أن تصل إلى بر الأمان بأقل قدر من التكاليف. والسبب أن الخليجيين شعوبا وحكومات يدركون تمام الإدراك، أن بقاء الدول واستقرارها، يعتمد، دائما وابدا، على عقد اجتماعي يقوم على العدل أولا وثانيا على ما أمكن تحقيقه من الحياة الكريمة التي يكتنفها الأمن والطمأنينة. ومثل هذه الأولويات لا قيمة لها لدى المتأسلمين، سنة وشيعة، عندما يحكمون. إيران الملالي لن تقبل بأن تدع الخلق للخالق، وتهتم بإنسانها، وبتنميته ورفاهيته، فهي بالمختصر المفيد تسعى بكل ما تملك من قوة وثروة إلى الاستيلاء على من حولها، وحجتها أن دستورها يدعوها إلى نصرة (المستضعفين)، أما المستضعفون فهم في قواميسها كل من يقف في وجهها وفي تنفيذ مخططاتها الاستيلائية، وهنا أس المشكلة. والسؤال الذي يثيره السياق: هل يمكن اليوم، وفي هذا العصر بالذات، تنفيذ هذه السياسة الإمبريالية، القادمة من تلافيف التاريخ؟ الجواب طبعا: لا ؛ إلا أن الكهنوتيين، إيا كانوا، وإلى أي دين انتموا إليه، يسيطر عليهم الماضي، فينغمسون فيه، ويقاربون نصوصه، ويستمدون منه منطقهم. وملالي الشيعة مثل ملالي السنة، لا يهمهم التماهي مع العصر وشروطه، قدر ما يهمهم التماهي مع الماضي الذي كان. وأنا لا أرى أن ثمة فرق في المنطق السياسي بين (التوسع الداعشي) و(التوسع الصفوي)، اللهم إلا أن الدواعش أقل مكرا بينما أن ملالي الصفويين أدهى وأذكى ويظهرون للعلن ما لا يبطنون. لذلك فإني على يقين أن عدائنا المتبادل مع الفرس الصفويين المتعصبين لفارسيتهم, عداء راسخ ومتكرس، لن ينهيه إلا سقوط ملالي الفرس، وأن يأتي نظام ذو شرعية تنموية، يستمد سلطته من مصلحة الشعب وخدمة الإنسان الإيراني، لا من تاريخ مضى وانتهى كما هو ديدن حكام إيران الآن. وفي تقديري أن مثل هذا التغير الجذري بعيد، على الأقل في المدى القريب والمتوسط، لأن العصي الغليظة للحرس الثوري مازالت صلبة وقوية، ولديها من النشاط والفعالية والتنظيم ما يجعلها قادرة على قمع أي تحرك، حتى وإن كانت (ثورة جياع وفقراء) إلا أن القمع وفرض الانصياع لسلطة الملالي بقوة السلاح، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. إلى اللقاء.