العلاقات السياسيّة فيما بين الدول عادة ما تتسّم بالتأرجح والمراوحة فيما بين التبدّل والتحول أو الاستقرار والثبات، وذلك استجابة لما تفرضه مصالح الأطراف وتماشيًا مع المتغيّرات الداخليّة والخارجيّة، وتحديدًا ظروف التوتّر في المحيطين الإقليمي والدولي. العلاقات السعوديّة التركيّة منذ توقيع اتفاقيّة الصداقة بين البلدين في الثالث من أغسطس عام 1929 أي قبل 87 عامًا شهدت العديد من التحوّلات نظير المتغيّرات المتسارعة التي جرت في المنطقة العربيّة والعالم الإسلامي، إلا أن الدولتين تمكنتا باقتدار من تجاوز الأزمات وتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري ابتداءً من عام 2002 التي استقّلت فيها أنقرة عن المواقف الغربيّة تجاه العالم العربي، وعلى الأخص موقفها من احتلال إسرائيل للدولة الفلسطينية، واقتربت في قرارتها كثيرًا من رؤى دول الإسلام السنّي وتحديدًا المملكة العربية السعوديّة ما أوجد أرضية صلبة لتقاربهما بما يمثلانه من ثقل على المستوى الدولي. ومنذ تولّي حزب العدالة والتنمية ذي التوجّه الإسلامي سدّة الحكم في تركيا، تغيّرت مفاهيم السياسات الخارجيّة لدى أنقرة، ومعها أدركت أهمية التعاون بشكل أكبر فيما بينها وبين المملكة التي تُعد وجهة المسلمين الأولى، وعلى ضوء ذلك التقارب تزايدت الزيارات الرسميّة بين البلدين، وتضاعف حجم الاستثمارات الاقتصاديّة، وارتفعت نسبة السيّاح السعوديين المتجهين إلى المناطق التركيّة، ومنحت المملكة الأتراك عددًا أكبر من التأشيرات للقدوم وأداء مناسك الحج والعمرة. قضايا متعددة أسهمت في توحيد رؤى الجانبين السعودي والتركي إزاء المنطقة، ومن أبرزها تعاون البلدين في محاربة التطرّف والإرهاب، واتفاقهما على ضرورة أن تبقى لبنان بلدًا مستقلاً بمعزل عن الميليشيات الطائفيّة السالبة للسيادة اللبنانية، وإعلانهما أهمية ردع إيران وفرض عقوبات ضدّها نظير اتجاهها إلى امتلاك أسلحة دمار شامل تهدد أمن دول الجوار، ورفضهما لتدخلها السافر في العراق منذ انسحاب القوّات الأمريكية أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، ودعمها غير المبرر لميليشيا الحوثي في اليمن، ووقوفها الآثم إلى جانب نظام بشّار الأسد الإجرامي. التقارب السعودي التركي يمثّل نقطة تحوّل في المنطقة وقّوة ردع على المستويات السياسية والاقتصاديّة من شأنها أن تعيد التوازن الإقليمي والدولي، وذلك لعوامل عدّة في مقدمتها الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلدين، وامتلاكهما لعضويّات في عديد من التجمّعات الدولية كدول العشرين الاقتصادية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فضلاً عن عضوية تركيا في حلف الناتو التي تعد القّوة العسكرية الثانية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وانتماء المملكة لدول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. ولم تخفِ عدد من الدول الغربيّة ذات العقليّة الاستعماريّة وكذلك ملالي طهران الداعمين للمشروعات الطائفيّة الهدامة في المنطقة العربية خشيتهم من تزايد التعاون السعودي التركي سواءً في الجوانب العسكريّة والأمنية أو الاقتصادية والتنمويّة؛ لأن التقارب بين القوّتين السنيتين قادر على إجهاض محاولات تقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي التي تعد من المخططات الكبرى المعلنة وتحديدًا في مناطق الصراع كسوريا والعراق.