قبل أكثر من شهر، من موعد الانتخابات الأمريكية، قالت المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) إن لديها معلومات، تشير إلى تدخل روسي، على أعلى مستوى، للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، وقد هددت بأنها سترد بقوة، على هذا التدخل الروسي، وبعيد ذلك، حصلت بعض الاختراقات لبعض المواقع الأمريكية الحساسة، مثل الحزب الديمقراطي، ثم تم تسريب مراسلات ووثائق سرية، تخص هيلاري كلينتون، عن طريق ويكيليكس، ويتفق معظم المعلّقين على أنه كان لتلك التسريبات دور في الإضرار بسمعة المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، ومن ثم هزيمتها، وبعد انتهاء الانتخابات، وفوز المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، اعتقد الجميع أن ملف التدخل الروسي في مسار الانتخابات الأمريكية قد أغلق، كما خفت حدة تصريحات المخابرات الأمريكية ضد روسيا بشكل كبير، ولكن مهلاً، فالأمر كان أكبر وأعمق مما تصوّر الجميع. قبل أيام، وبعد مرور قرابة الشهر على فوز دونالد ترمب بالرئاسة، وجّه الرئيس أوباما المخابرات المركزية بمواصلة التحقيق في ملف التدخل الروسي، في ملف الانتخابات، وهذا هو الحدث الأبرز لوسائل الإعلام الأمريكية حالياً؛ لأنه يعني، فيما لو ثبت، محاولة دولة أجنبية، التدخل في شأن داخلي للولايات المتحدة، والتلاعب في نظام ديمقراطي عريق، كما أنه حدث غير مسبوق، على الأمن القومي الأمريكي، وبعد ذلك، تم تصعيد الموضوع على كل المستويات، وهناك، حتى اليوم، وجهتا نظر مختلفتان، في شأن التدخل الروسي، فالمخابرات المركزية (سي آي إي)، والمباحث الفيدرالية (اف بي آي)، وهما أقوى أجهزة المخابرات والمباحث عالمياً، يؤكدان التدخل الروسي، ولكنهما يختلفان في مدى التدخل، فال(سي آي إي) تعتقد بأن روسيا تدخلت، واخترقت أجهزة مؤسسات وأفراد، وسرّبت ما من شأنه الإضرار بهيلاري كلينتون؛ وذلك من أجل تسهيل فوز الجمهوري، دونالد ترمب، وهو ما تحقق في نهاية المطاف! المباحث الفيدرالية، في الجانب الآخر، تتفق مع المخابرات المركزية بشأن تأكيد التدخل الروسي. هذا، ولكنها لا تعتقد أن هذا التدخل حدث لخدمة ترمب، وإنما كان محاولة روسية للتأثير على مسار الحراك الديمقراطي الأمريكي عموماً، أي استعراض عضلات روسي، تجاه الخصم الأمريكي اللدود، الذي أسقط الإمبراطورية السوفييتة، ويتفق أعضاء الكونجرس الجمهوريون والديمقراطيون على خطورة ما حدث، وأنه أمر جلل، وغير مسبوق، ولكنهم يختلفون في آلية التعاطي معه، فبينما يرى الجمهوريون ضرورة معاقبة روسيا، دون أن يؤثِّر ذلك على فوز ترمب، الذي لا يد له في الأمر، وفاز بطريقة ديمقراطية صريحة، يرى بعض الديمقراطيين أنه يجب إعادة النظر في نتيجة الانتخابات، طالما ثبت تدخل قوة أجنبية بشأنها، وهو أمر صعب بكل تأكيد، ولكن الثابت هو أن هذا الموضوع هو حديث الساعة، وقد يأخذ منحيات لم تكن في الحسبان، ولذا فسيتواصل الحديث عنه!