تتغير التوازنات الدولية بشكل واسع، وتعيد الدول المؤثرة إعادة تموضعها، في ظل التحولات التي عرفها العالم بشكل حاد خلال هذا العام 2016م تحديداً، تمدد الأسطول الروسي في البحر المتوسط، وفوز الحزب الجمهوري بالانتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يضاف إلى ذلك «اتفاق النفط»، وغير ذلك من عوامل ترسم ملامح الشكل العالمي القادم. لم تخف تيريزا ماي أنّ حضورها يهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبخروجها من الاتحاد الأوروبي، فقدت لندن امتيازات لطالما تمتعت بها في السوق الأوروبية المشتركة، وتمثل منطقة الخليج العربي محوراً اقتصادياً هاماً، إضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية المتزايدة نتيجة تصاعد الإرهاب في الشرق الأوسط، في المقابل تعتبر دول الخليج أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لبريطانيا خارج أوروبا، وبحسب تقرير لقناة «سي إن بي سي» تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 200 مليار دولار، حصة العقارات منها 45 ملياراً، ما يمثل 40% من الاستثمارات الخليجية في العقارات بأوروبا. وتقول الحكومة البريطانية إنّ هناك فرصاً تقدّر قيمتها ب30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية، للاستثمار في 15 مجالاً مختلفاً في الخليج، خلال السنوات الخمس المقبلة. العلاقة البريطانية الخليجية ليست طارئة بل هي عميقة ومتجذرة، والطارئ في هذه المرحلة هو التوجه البريطاني ناحية تعزيز الوجود العسكري، فالأرقام الأولية تتحدث عن (20 مليار دولار) هي حجم استثمارات متوقعة في المجال العسكري لتعزيز الأمن في دول الخليج، هذه المسألة هي الجزء الأهم، فلقد قالت رئيسة وزراء بريطانيا ماي في كلمتها أمام قمة البحرين «إنّ معلومات استخباراتية زوّدتها الأجهزة الأمنية السعودية لنظيرتها البريطانية، ساعدت في إنقاذ مئات الأرواح في المملكة المتحدة»، هذه الجزئية التي تؤكد مدى القدرة الاستخباراتية السعودية في مكافحة الإرهاب، تعطي المدى الموضوعي للعلاقة الاستراتيجية التي تقوم عليها المصالح بين بريطانيا والسعودية خاصة وبقية دول الخليج عامة. بريطانيا بعد التطورات الأخيرة وتوجهها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، تبحث عن تشكيل نواة لاتحاد يقوم على المصالح المتبادلة، وتنسيقها مع دول بحجم الدول الخليجية سيكون تعويضاً لها، فدول الخليج سوق كبيرة، لها قدرة شرائية عالية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، كذلك هي دول مستقرة أمنياً وسياسياً، وفي الجهة الأخرى فإنّ بريطانيا الشريك الأهم في خارطة الرباعية لحل الأزمة السياسية في اليمن، إضافة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكية، فالموضوعية والعقلانية تجاه الملفات السياسية تُشكل هي الأخرى نقاط شراكة بين الطرفين الخليجي والبريطاني، وهذه عوامل تعزز من أنّ بريطانيا التي كانت واضحة تجاه التهديدات الإيرانية، وما تمثله من خطر على العالم بتدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية، ووقوفها وراء الاضطرابات في المنطقة، تأتي لتأكيد ملامح المرحلة القادمة والتي لن تجد فيها إيران تلك المساحة التي انتهزتها من خلال «الاتفاق النووي»، وحصلت منه على مليارات الدولارات التي أثرت سلبياً في الشرق الأوسط، مما سيضع الجميع أمام تعامل صارم تجاه السلوك الإيراني بمشاركة الولاياتالمتحدة، ورؤية الرئيس الجديد ترامب للعلاقة مع تصدير إيران للفوضى وعدم التزامها بضوابط «الاتفاق النووي».