حلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ضيفة على القمة الخليجية السابعة والثلاثين التي عقدت في البحرين يومي 6 و7 ديسمبر الجاري، وأجرت مباحثات مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وصفت نتائجها بأنها «شراكة استراتيجية» في المجالات الأمنية والسياسية والتجارية. ويبدو أن بريطانيا تتحرك في اتجاهات كثيرة لتعويض خسائرها جراء الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء الذي انتظم في يونيو الماضي وأدت نتائجه السلبية إلى زلزال اقتصادي ومالي كبير، خصوصا أن 45 % من صادرات بريطانيا تتجه إلى البلدان الأوروبية التي قرر البريطانيون الخروج من اتحادها، ما يفرض إعادة التفاوض على أكثر من 60 اتفاقا تجاريا مع دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي. كما منيت الأسواق العالمية في اليوم التالي للاستفتاء بخسائر بلغت أكثر من تريليوني دولار، وخسر الجنيه الإسترليني نحو 12 % من سعر صرفه أمام الدولار الأمريكي وبدأ الحديث عن احتمالات تفكك المملكة المتحدة. جاءت رئيسة وزراء بريطانيا للقمة الخليجية وهي تدرك كل هذه المعطيات وأكثر. فهي تعرف أن حجم الاستثمارات الخليجية المملوكة لأفراد وصناديق سيادية خليجية في بريطانيا تزيد على 250 مليار دولار وقد خسرت بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ما يتراوح ما بين 30 إلى 45 مليار دولار، الأمر الذي قاد إلى تراجع حجم الاستثمار وتردد المستثمرين في ظل هذه الأوضاع الضبابية التي لن تتضح معالمها كاملة إلا بعد الشروع الفعلي في الطلاق البائن بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. كما تدرك السيدة تيريزا ماي أن الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة تواجه تحديات من طراز جديد. فانهيار أسعار النفط منذ منتصف العام 2014 وتحقيق عجوزات غير مسبوقة في الموازنات الخليجية تصل إلى أكثر من 150 مليار دولار للعام الجاري 2016، وما تبعها من اتخاذ إجراءات «تقشفية» في جميع دول المجلس ومنها رفع الدعم التدريجي عن المواد الأساسية وزيادة الرسوم وفرض رسوم وضرائب جديدة كضريبة القيمة المضافة التي توافقت عليها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي.. كلها ظروف مستجدة في المجال الاقتصادي وتفعل فعلتها رغم الوفرة المالية التي تتمتع بها دول المجلس التي يبلغ حجم صناديقها السيادية أكثر من 2.5 تريليون دولار. إلى جانب ذلك، فإن الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة تواجه تداعيات كبرى في العراق واليمن وسوريا. فالمعركة التي انطلقت لاقتلاع تنظيم داعش من الأراضي العراقية والحرب في اليمن والمعارك الدموية في سوريا، فضلا عن علاقات دول المجلس المتوترة مع إيران وفرض قانون «جاستا»، هي قضايا سوف تلقي بظلالها على الواقع الخليجي في أكثر من مجال. ويبدو أن ماي فهمت كل ذلك فجاءت كلمتها مدروسة ودقيقة أمام القادة الخليجيين، وتعرف من أين تبدأ وكيف تنتهي لتشجع زعماء المنطقة على الإقدام على تعزيز العلاقات مع بلدها. لقد ساد لدى السيدة ماي، خلال اتصالاتها مع دول المنطقة، شعور بأن «أعز أصدقائك القدامى الموثوقين يمرون بأوقات عصيبة. وبهذه الروح أتيت إلى هنا»، حسب ما جاء في كلمتها. فهي جاءت أيضا لبناء «تحالفات جديدة» لمواجهة «كل ما يتهدد النظام والقانون وأمننا المشترك (..) ولتأكيد العلاقات التاريخية القيمة وتجديد الشراكة لمستقبلنا المشترك». كما أسهبت في الحديث عن التعاون الأمني والعسكري بين بريطانيا ودول مجلس التعاون، وأشارت إلى الخطط الموضوعة لتطوير التعاون الاستخباراتي مع العواصم الخليجية، ناهيك عن تأكيدها عدم التركيز «على التطرف العنيف وحده بل على نطاق واسع من التطرف العنيف وغير العنيف داخل بلادنا وخارجها، ونحن لا نلاحق الإرهابيين فحسب ولكننا نعمل على معالجة أسباب هذا التطرف من خلال مواجهة أيديولوجية التطرف ومن يقوم بنشرها»، وفق قولها. ولم تنس تيريزا ماي مسألة الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى (5+1) فأكدت أن الاتفاق قد أزال قدرات إيران على الحصول على السلاح النووي لعشر سنوات مقبلة، وأن بريطانيا ستدخل في اتفاق دائم مع دول المجلس للحفاظ على أمن الخليج العربي. ولأنها تعتبر الخليج «سوقا خاصة»، فقد دعت السيدة تيريزا إلى زيادة التبادل التجاري بين الجانبين الذي بلغ العام الماضي 30 مليار جنيه إسترليني (أكثر من 40 مليار دولار أمريكي)، وروجت للتجارة الحرة بين بلدها والخليج، غامزة من طرف تعثر الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي للتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع دول التعاون. ومع استعداد الجانبين لعقد لقاء سنوي على مستوى القادة، فمن المرجح أن تشهد العلاقات الخليجية البريطانية قفزة كبرى تلعب فيها لندن دورا محوريا على كافة الصعد خصوصا الجوانب العسكرية والأمنية لتعيد الدفء والحميمية للعلاقات التاريخية عندما كانت شركة الهندالشرقية تشكل العصب الرئيس للتجارة إبان الاستعمار البريطاني للهند ووجود المعتمدين والمستشارين البريطانيين في إمارات الخليج العربي.