تقول: «لن يصدّق كاتب يقول إنه يكتب بمنأى عن نفسه ومشاعره»، مؤكّدة أن كتابة الأنثى عن بنات جنسها بين انحياز تنتصر فيه لنفسها، وبين حالة تصب فيها جام غضبها على الأنثى، ما يجعل من «حياد» الكاتبة في هذه الحالة شبيهاً ب«شعرة» المعادلة الإبداعية.. روائية ترسم الحبكة بأدواتها الخاصة، لكونها تشكيلية تؤمن بأن فن التشكيل يعني فن رسم القضايا، وربما حملت العديد من أعمالها الفنية رواية بحروف ملونة، يلتقي فيها ثلاث تجارب: كتابة المقالة، الفن التشكيلي، وكتابة الرواية.. إنها حسناء محمد، التي التقت معها «المجلة الثقافية» في هذا الحوار: * بأسلوب إيحائي، طرحت العديد من قيم الطبقة المخملية أبرزها «المشيخة» إلى جانب عدد من القضايا الاجتماعية، كانت «المرأة» محورها، إلا أنك قدّمت هذه الفئة الاجتماعية بتوازن عبر العطاء - فتح البيوت – وعبر الجانب النفسي الخيرّ ما خفف نقد المخمليين، فبم تردين؟ - قبل أن أرد على السؤال أود القول أن ما عجبت له أن هذه الرواية وعلى الرغم من أنها الرواية الأولى لي، إلا أنها قوبلت بنقد لاذع لا أريد أن أصنفه وكذلك بمديح وإبهار من آخرين بالرغم من عدم شهرتي كأديبة رواية بعد، لكن يسخر الله سبحانه لك ما لا تعلم إذا أرادك أن تبلغ شيء، ورداً على السؤال فالمخمليّون كغيرهم من فئات المجتمع يختلط فيهم الصالح ومن دون ذلك ومن يحمل القيم السامية ومن هو أقل من ذلك، ولا شك أن ما يحمل الإنسان من قيم لا علاقة له بوضعه المادي, بل يحييها بداخله أصالته وما ربي عليه ومستوى تعليمه وضميره، وصدقاً المرأة هي التي تصنع الرجل ثم توليه أمرها وهذه حكمة الله في هذه الشراكة العظيمة بينهما. * بين الحاجة المادية لوالد البطلة، وصغر الأبناء، تمت صفقة شراء امرأة منجبة، مشكّلة منطلق الصراع، الذي تجاور فيه مها وعلياء - زوجتي الشيخ- أيمكنني القول: بطلتي الرواية؟ - أرى أن كل من شارك هذه الرواية وصنع نسيجها هم أبطالها جميعاً من عليا إلى كفاية العاملة لديهم, ولا يلغي ذلك مفهوم التفاضل. * مها، وعلياء، وكذلك رسيل، جسدت أدوارهن مقولة «المرأة لا يهزمها إلا الحب!» ما يجعل الكاتبة عن الأنثوية تنظر بأكثر من عينين، فهل تظل الكاتبة الأكثر إبداعاً من الرجل في كتابتها عن بنات جنسها ولو مخيالاً؟ - ربما حين تكتب الأنثى عن الأنثى تكون أقرب لتفهم عواطفها وتفكيرها، ولكن قد تستغربون قولي هذا: إن الأنثى أحياناً وهي تكتب عن الأنثى قد لا تكون منصفة! بمعنى أنها إما أن تنحاز لأنها تتخيل تجسيد شخصيتها بما تتناوله من محاور حياتيه, أو أن تصب جام غضبها على بنات جنسها وتكون مؤلمة بذلك أكثر من الرجل، لذلك محاولتي التجرد من التفكير بذاتي لأنصف كل أبطال الرواية، أو بالأصح لأكتب بلسانهم وأجعلهم هم المسيطرون كان صعباً جداً. كما أن الغريب أنك حين تتعمق في ذاتهم تبدأ تشعر بأنهم يفرضون عليك كتابتهم كما يشاؤون لا كما تشاء أنت, فتجد نفسك مثل النائحة المستأجرة! قد يبدو ذلك مضحكاً! ولكن هذا إحساس أتوقع قد شعر به كتاب الرواية، ومع ذلك لن يصدق كاتب يقول إنه يكتب بمنأى عن نفسه وأحاسيسه وفكره. * الحب كما تخطط له «الثروة» في طبقة مخملية جعلتك أمام فضاء مفتوح من الشخوص والأحداث، إلا أنك أخذت بمقولة «يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق» فما تعليقك؟ الحب غير المصلحة, الحب متعلّق روحي, والمصلحة منطق يتعلق بنفع وقتي، والحب في وسط ثريّ بالمعطيات أو العكس، الحب في وسط بائس وظروف صعبه برأيي هما من يصنعا الأسطورة التي نحبها نحن العرب، وبالنسبة لإطالة الرواية فمن يستطيع كتابة المئة صفحة، يستطيع كتابة الألف صفحة, لكان على الكاتب الحاذق أن يعيي أننا بأوساط قرائية ذات نفس بسيط وتمل بسرعة وهذه كما يقال «حَبكة الصانع». * غازي القصيبي، نزار قباني، عبدالوهاب مطاوع، جبران، سميح القاسم.. وآخرون، وظّفت نصوصهم لتوصيف حالات نفسية في ما يشبه (تناص المعنى) صفي لنا - بإيجاز - هذا الجانب في بناء سرد الرواية؟ - كحيز من الرواية فهو جزء بسيط لم يتجاوز الخمس صفحات، لكن كانت له فلسفه لديّ وهو إقحام إحساس الآخرين بما أحسسته أنا في روح الموقف، وفي شخوص الرواية، فكنت كمن يحاول جمهرة العالم على مشهد تاريخي. * انتهت الرواية بما يشبه «المكاشفات» استنطقت فيها مكنونات شخوص الرواية الرئيسيين، ألا ترين أنك وضعت نهايات الأحداث في فيما يشبه «إطار» لا يمكن للقارئ تجاوزه؟ - أنهيتها بمونولوج لأبطال الرواية لأجعل القارئ يكتشف الجانب الخفي غير المعلن ليس لتتضح الصورة أمامه «فكل بالأخير يقرأ من منطق تفكيره وتصوراته وأشياء أخرى» ولكن لأن كشف سر النفس وتصديقها يخلق لديك خيال مؤمن بالواقع قد يجعلك تعيد سرد ما مر عليك في مخيلتك فتكتشف حقيقة أخرى. * ختاماً.. ما الذي يصافح أفكار حسناء بعد «زوجة الشيخ»؟ - تجربة كتابة رواية أحدثت فارقاً جميلاً في توجهاتي، إذ كنت منذ خمسة أعوام أو أكثر كاتبة مقال مستقلة بالعديد من الجرائد، والآن بيدي رواية أخرى ستكون مختلفة, قد تكون جريئة في التطرق لبعض القضايا، وواسعة الأفق كوني استفدت من تجربتي الأولى، إذ الرواية ليست كتاباً أصولياً ولا منهجاً يدرس، فهي هدف للكاتب يحاول به إخراج قرائه من ضيق الحياة لنافذة تفتح لهم على سماء رحبة يرون فيها الجانب المكبوت غير الناطق, أو الذي لا يجرؤون على إظهاره, أو الحدث الذي يداعب مشاعرهم وخيالهم ولا يجدونه، وكوني فنانة تشكيلية فهذا يساعد على دمج خيال الفن التشكيلي مع الحرف، ليدهن أحاسيسنا مع واقع نريد أن نشكله كما نريد وإن كانت إرادة الله سبحانه هي النافذة .