في كل بلاد الدنيا هناك (ظواهر شبيهة) خاصة بثقافة كل مجتمع، وهناك قواعد (اشتباك) داخلية وخارجية مع هذا النوع من المركبات، فداخلياً يجب عدم الركوب أو الوقوف عند الباب حتى لا تضطر (لفسح الطريق ) للصاعد والنازل، وعليك عدم تجاوز الخطوط الحمراء والدخول مع السائق في جدال حول طريقة قيادته المتهورة أو انتقادها، هناك كلمة يجب أن تحفظها جيداً وتصرخ بها بأعلى صوتك وهي (نازل)، وتعني استخدام الفرامل والوقوف المفاجئ حتى لو كان الباص فوق (كبري)..!. تجربتي مع (خط البلدة) لمرتين، في الذهاب والعودة، وحديثي مع السائقين شكلَّ لدي قناعة بأن هذه المركبات يُمكن تهذيبها، وتصحيح وضعها، والاستفادة من سائقيها، ومنحهم فرصة للتغير من حياتهم، ليصبحوا جزءاً من التطور الذي نرقبه في النقل العام، ونضمن بذلك عدم استمراراهم كظاهرة (غير جيدة) صامدة في وجه كل تغيير لا يستوعبهم، فهم يواجهون صعوبات متعددة نظامية ومجتمعية هي من أجبرتهم على تقمص (شخصية) سائق خط البلدة (الفوضوي )، والذي لا يجد مستخدم النقل العام (المقيم) بديلاً عن التعامل معه، ولا أحد يعرف كيف سيكون التعامل معه مستقبلاً...؟!. خط البلدة ظاهرة خاصة، حلت نقص النقل العام في شوارعنا بباصات مُتهالكة، وهي وظيفة هؤلاء المواطنين الوحيدة ومصدر رزقهم، مع عدم قدرتهم على تجديدها بموديلات حديثة، للحاق بركب التطوير والحداثة، فالجهة المشرعة تؤمن بضرورة (اختفائهم) مع كل تنظيم للنقل العام، بينما هناك أجيال جديدة تتعاقب على الانخراط في هذه المهنة، مُستذكرين تجربة آبائهم مع (النقل الجماعي) في الثمانينات، وكيف صمدوا في وجهه وأفشلوا مشروعه للقضاء عليهم، ويراهنون على أن كعكة (مشروع النقل العام) الجديد سيكون لهم نصيباً منها، لأن خطوط الحافلات لن تغطي كل الأجزاء مهما انتشرت، وسيبقى لهم دور يكفيهم ويسد حاجتهم..؟!. ترجلت من باص (خط البلدة) وأنا مُتعاطف جداً مع أصحابها، مؤمن بأن مستخدميها يستحقون (خدمة أفضل)، مُتفهم لتخوف المسؤولين في وزارة النقل، دفعت 3 ريالات فقط رأيت بها (معالم جديدة) في الرياض من نافذة مُختلفة، سمعت حوارات وهموم بين الركاب لأول مرة أسمعها، عيون ترقب من الأعلى تفاصيل السيارات عند الإشارات ، بعض هؤلاء الركاب يعمل في أماكن (5 نجوم)، ويتعامل مع طبقات مخملية من الزبائن والعملاء، ولكنه يعرف خط البلدة جيداً، فهي وسيلة نقله الوحيدة الأرخص والأشجع..!. سيمضى الوقت سريعاً إن لم نتداركه، ونجعل من تجربة وخبرة أصحاب وسائقي باصات (خط البلدة) نموذجاً لكيفية استيعاب واحتواء المواطن ضمن خطط التغيير والتطوير، لا يجب أن نفكر في أن تختفي هذه الظاهرة، بقدر ما أن نهذبها لتصبح جزءاً مشرقاً من مستقبل النقل العام القادم..!. وعلى دروب الخير نلتقي.