هذا العنوان: (دبلوماسية البطاطس) هو للإعلامي عبد الصمد ناصر المذيع في قناة (الجزيرة) القطرية، جاء في تغريدة كتبها عن المباحثات الأمريكية الروسية حول سوريا، وقد أرفقها بمقطع تلفزيوني يظهر فيه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وهو يُخرج حبات بطاطس ليُهديها لسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، كون الأخير سأل عن البطاطا، التي تشتهر بها ولاية أيداهو الأمريكية في لقاءِ سابق جمع بينهما قبل أسابيع حول القضية السورية. عندما تكون (البطاطس) هي افتتاحية مباحثات مهمة حول سوريا بين وزير أقوى دولة في العالم، ووزير دولة قوية تملك ترسانة نووية، وهي اللاعب الرئيس في القضية السورية؛ فثق أن هذه القضية محسومة بينهما في خطوطها الرئيسة، وهذه المباحثات فقط للاستهلاك الإعلامي، وأن مباحثاتهم الحقيقية، التي تجري بين الحين والآخر هي في تفاصيل هذه القضية، بمعنى آخر في طريقة تقسيم الكعكة التي اتفقوا على التهامها. لقد كشف المقطع التلفزيوني درجة الاستخفاف بالدم السوري التي ظهرت بين الطرفين، الدم الذي ينزف كالشلال بفعل القصف الروسي المستمر والتواطؤ الأمريكي، وأن ذلك التوتر الذي ظهر بين الجانبين في الأيام الماضية حول جرائم الحرب ومسؤولية قصف المستشفيات في سوريا لم يكن إلا تمثيلاً سياسياً، كما كشف المقطع مستوى الانحطاط السياسي الذي تبلغه الدول الكبرى فيما يخص القضايا العربية، وأن التعويل على صدقية هذه الدول والاستناد على صداقتها التاريخية ضرب من العبث السياسي، كونها لا تأتي بجيوشها إلى منطقتنا من أجل السياحة، ولا يمكن أن تقدم للإنسان العربي ما يخالف مصالحها على مستوى العالم، بدلالة ما جرى ويجري في المنطقة العربية، فبالأمس كانت إيران في القاموس السياسي الأمريكي دولة خارجة عن القانون وأحد أقطاب محور الشر العالمي، واليوم أمريكا تسلمها العراق، ولا ترى بأساً في بقاء الأسد ضمن الحل السياسي بسوريا. وتدعم الحوثيين ضمن الحل السياسي في اليمن وهي تعلم أنهم عملاء لإيران، وتغض الطرف عن إرهاب (حزب الله) والميلشيات الشيعية في لبنانوسوريا المدعومة من إيران مقابل الفصائل السنية المتطرفة. حتى صار الإرهابي قاسم سليماني يتحرك تحت غطاء الطيران الأمريكي. إن منطقتنا العربية مقبلة على كارثة التقسيم إلى دويلات هزلية تحكمها الطائفية البغيضة والتيارات السياسية المتناحرة، فقد تم تدمير الميراث الحضاري والشاهد المدني في العراقوسوريا بشكل كامل، والبقية ليست بمعزل عن هذا المخطط الإجرامي. فإذا كان مصير الشعب السوري يبدأ بمباحثات البطاطس؛ فهل تتوقع أن الغرب بقيادة أمريكا يؤمن بحقوق هذا الشعب ومصيره، أو الشعوب العربية الأخرى التي تشهد المذبحة والمهزلة معاً.