سبعون عامًا مرت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية ما زالت مآسيها وآثارها تلقي بظلالها على الدول والنظم السياسية، فلو قلنا: منذ نهاية الحرب إلى تاريخنا المعاصر تعكف الدول العظمى على صناعة عدو وهمي واستدعاء سلطوي، يصنع أزمات لا تنقطع يؤهلها للقيام بأدوار بطولية أمام وسائل الإعلام العالمية وأدلجة العقل الشعبي وصرفه عن الشأن الداخلي المتأزم. وبعد استفتاء للشعب الأمريكي عن تدخل بلادهم في شؤون الدول الأخرى، قدم مركز Pew Research دراسة لأبحاث القضايا الأمريكية، أبرز نتائجها رغبة غالبية الأمريكيين بأن تهتم بلادهم بالقضايا والمشكلات الداخلية عوضًا عن تدخلاتها في البلدان العربية والدول النامية. فالأنا العليا المطلقة لا تصنع أمجادًا إضافية، بل أعداء أكثر شراسة أحد أهدافها تضييق الخناق، وإثارة أجواء من التوتر والقلق والخوف والتهديد الروسي بالأسلحة النووية على سبيل المثال. هكذا صنعت أمريكا قوة موازية لها، وها هي اليوم روسيا تتعمد خلق أجواء لحرب وشيكة تهدد الغرب وحلف شمال الأطلسي، مصرحًا بذلك أحد قادة الأحزاب الروسية «فلاديمير جيرينوفسكي» المقرب من الرئيس «بوتين» بأنه إذا تم انتخاب هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة فإن ذلك يعني الحرب العالمية الثالثة. ومعنى هذا باختصار أن التخطيط والتنظيم السياسي الدولي في خطر ولا يحتاج إلى شرح مستفيض. في الوقت الذي أعلن فيه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية بيانًا حازم اللهجة أن «عمليات السرقة والقرصنة هذه تهدف إلى التدخل في العملية الانتخابية الأمريكية»، مضيفًا: «نعتقد على ضوء مدى هذه المبادرات وحساسيتها، أن مسؤولين روسًا هم وحدهم قادرون على السماح بهذه الأنشطة» عبر شبكة أن بي سي الأمريكية. وتوعد البيت الأبيض، روسيا ب«رد متكافئ» على تدخلها في الانتخابات الأمريكية. هل عودة الأساطير التي تضخم الجيوش وتكثف أعدادها ثم تبيدها؟ أم هي محاولة لبقاء الشعوب تحت مظلة الحرب تنقاد خلف البطل وتقدم التنازلات وتستنزف طاقاتها ومواردها من أجل الدفاع عن صراع أيديولوجي فكري عقدي بين نظامين مختلفين، وإقصاء الدول الأخرى من المنصات إلى أماكن أبعد وأدنى. ربما تتفاقم هذه الأزمة وينجح الإعلام في تضخيمها ليلعب دورًا مهمًا تزداد على إثره الشراسة السياسية وتعزز سيطرتها على مواطنيها لتسويق مفاهيم غامضة، تنتج قوى متناحرة. عادة ما تقوم التصورات البشعة والاستبداد على تداعي الأذهان وتظل قيد تساؤلات ل«باولو كويلو» سنذكر بعضًا منها: (لسنا ندري متى تنتهي الحرب، وليس بإمكاننا استئناف رحلتنا. سوف تستمر المعارك بلا ريب، لوقت طويل، ربما بلغ سنوات. إنّ في كلتا الجهتين مقاتلين أشدّاء. كما أن الجيشين فخوران، بخوض المعارك. ليست الحرب حربًا بين الصالحين والأشرار. بل هي حرب بين قوى تتناحر للاستيلاء على السلطة ذاتها).