في الزحمة والضجيج الهادر, والكثرة والكلام الكثير, في تسابق الجنائز بأي الأسباب غادرتها الروح, وتناكب المهرجين في كل الصروح, في الجرح والألم, والسخرية والندم, في التأويل والتظاهرة, في الفرض والخيار, في تيه التقاة, وسطوة المرجفين, أبحث عن بصيص شمعتها, وزيت قنديلها, وحكمة منطقها, عن سداد رأيها, وضابط طريقها, وبوصلة اتجاهها !!.. عن أدبها الجم, وطهرها الفائق, عن سكوتها الحكيم, وصمتها الواعي !!........... *** بين العبارات المنتقاة, تضرب في اتجاهات حسب الحالة, من ينتقي صورة حالمة, ويقف على هدير شلال يطهر, أو يلجأ للبشرية يخاطب فيها نفسها, وحسها, يستلهمها انتشالاً من حميم الغسلين يعم أرضها, أو من يصب «جام» عزمه في فكرة, أو في ابتكار, أو في عمل ما بعيدًا عن معمعة الذي يكون!! أو من يخاتل طيف قصيدة, أو من يتأمل في قالب ثلج, أو يصغي لحفيف ورق, أو يتلمس نسيمًا في المدى, أبحث عن حالة لها تصغي لكلمة طيبة أو ترسلها, وتصنع محيطًا آمنًا معطرًا, وتزجني فيه.. *** فلا أجدها, في حين أجدها!!... *** مذ غابت كلما هبَّ النسيم برائحة الفاغية أتوقع حضورها, وعندما تهدل الحمامة على طرف نافذة الجيران أتوقع حضورها, وكلما انتشى الجو بزخم الأرغفة عن الفرن في الشارع القريب أتوخى حضورها, وكلما تنفس الصبح عن فضته أتطلع لحضورها.. وكلما احتدم الفشل في الواقع المحيط أتمنى حكمتها!!.. رنين هاتفي الذي يأتي في الثانية بعد الظهر في كل المواسم حضورها, وبابي الموارب لدخول طيفها حضورها.. لكنها لم تعبأ بالانتظار.. غابت قبل أن تخبرني, في حين تحضر بعنفوان تمكنها!! هي لم تأتِ في مواعيدها, فامتزجت المواعيد كلها لانتظارها, وفيه.. وتساوى الشذى, والهديل, ورائحة الرغيف, وبياض الصبح, ورنين الهاتف, والصيف, والشتاء ,والليل, والنهار, والخريف, والربيع في خفقة واحدة!!.. عند ثغر الخفق دفقٌ عذبٌ يسبل على الروح طمأنينة بحضورها الأزلي, هي أبدية التلاحم هنا, هنا لا تغيب!! مع أنها هناك لن تأتي, ساكنة هي هنا بين الوريد, والوريد..!! *** كلماتي التي كانت أول الصاغين إليها، وأول المحتفين بها لا تزال تنهل منها.. معجونة بحنطها، منسوجة من دواتها!!.. الحرف الذي فيها مسلول من أبجديتها, ناهض عن جذرها, مثمر بزرعها.. ولأنها البحر فمنها يمتد الذي لا ينفد.. بل يشهد!!.. *** ولأنها الحضور فإن بصيص شمعتها نور يعم, وزيت قنديلها وقود يدوم, والطريق في مناكبة المزدحمين بغوغائهم يتجه لبوصلة حكمتها.. حضورها البهيج مصباح في العتمة التي تعم!!.. *** نوَّارة, تهفت البشر على «خراش», يتناكبون في زحمتهم, يتبارون بغاياتهم, يخلطون ويختلطون, و.., و.., و.. إنهم يفعلون.. يا نوارة, وأنتِ حاضرة تُطهرين!!..