نحسب في صمتنا ما يريحنا من كثير مما تثقلنا به أحداث الواقع، نظن أن في ابتعادنا قليلاً ما يروح عن الخاطر كدراً يلم بما حولنا، فينفث فينا غيومه.. غير أن الحقيقة أن لا شيء يمكنه أن يقشع عن الروح هذا الدكن الذي يعتريها من ظلمة الذي حولنا.. مع أن دورة الحياة طبيعية، وطباع البشر فطرية، والحقيقة أن لا دوام لشيء.. ولن تختلف نواميس الكون، فكلٌّ في فلكه، يمضي لقدره، وكلٌّ سينتهي لأجله.. لكن الأمل يبقى البصيص الوحيد الذي يتراقص أمامنا فيمنحنا حباله، يشدنا بها تارة لفضاءات رخيمة، ويعيدنا بها تارات للفسحات الوخيمة.. هذا هو الواقع، وتلك هي المرحلة التي يدعي فيها الإنسان تفوقه، ويخسر فيها تفاصيل كثيرة.. ومع أننا نحسب في هنيهات بُعدنا وصمتنا أننا نتزود بمؤونة صبر إضافي، إلا أننا نجدنا قد لففنا حول إرادتنا عشرات المرات لنقول شيئاً عما تدور به ساعات الأحداث، ويشكله صناعها.. الفقد يعم، والخسارات رافعة أعلامها، والخيبات باسطة دروبها، وأصوات الكناري، والعنادل، ودعابة النسمة، وابتهاج الشجر لا تعيد للنفوس عذوبة الإحساس.. كيف تفعل وإنسان سوريا لا يزال يكابد الآلة، والنوايا.. في غيبة النبلاء..؟ والمرأة المسلمة تنزلق قدماها حيث تحسب لجة، وهو زجاج ذابح للعروق، هاتك للشرايين..؟ والطفل في عالم يتكلم كثيراً عن الأمومة، والمحاضن، والتنشئة والتربية، والتعليم، وأغلب ما يقال لا يطبق.. والأثرياء بشتى أنواعهم وسماتهم نهَّابون للمواقف، سفاكون لمياه الوجوه.. والناس تلقي بعباءات الحياء جوار مزالق السباق.. ولم آتكم بفيض مما اعتراني طيلة صمتي.. لأنني حقيقة لم أصمت، كنت أتقلب على أكف الأحداث، ولا أصم أذني، ولا أكتم يراعي.. مثقل هذا الواقع بغوغائهم.. إنهم يستنزفون كل مساحة من ورق، وثرى، وزوايا، واتساع.. قالت لي محبرتي إنها تنزف، غير أن قراطيسي أعدت وجباتها، واعتمرت سنة القلم، وأهابت بالمسير نحوكم.. وكنت قد قلت مراراً لأبي بشار أن يعفيني عن شحذ القنديل، فأبى إلا أن أوقده، وأبى لهجدة التأمل أن تحين.. لذا نلتقي.. نتشاطر رغيف الألم، والتأمل، والأمل، والحسرات، والخيبات.. وربما طيوفاً من فرحة لا تزال قيد الإنسان.. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855