من يعرف التاريخ والجغرافيا ويسبر أغوارهما، يدرك أنه خلال المائة عام الماضية كان ضرباً من المستحيل الحديث عن توحيد دولة صغيرة، فضلاً عن أُمة بحجم المملكة العربية السعودية، فالأرض لم تكن تستقر تحت قدم بسبب الفوضى والحروب والخلافات، والظروف الاقتصادية الصعبة كانت تعزز الفرقة والانقسام، لكن الإمام العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود - طيّب الله ثراه وجزاه عن أهل هذه البلاد خير الجزاء - حقق المستحيل الذي يسّره الله! العدالة والمساواة لمن يعرف تاريخ المؤسِّس عبد العزيز - يرحمه الله - كانتا عمود البناء الذي ارتكز عليه، فكان يدرك - رحمه الله - أنّ القوة والغلبة مهما بلغت لن تستقر في قلوب الناس، وأن الأرض لن تعمر بهما بعيداً عن العدل والأمن والثقة، ليغدو يقين وصدق المؤسِّس بهذه المبادئ الخيط الذي انتظمت فيه الأرض وقلوب الناس، لتؤسِّس عقداً اجتماعياً فريداً توارثته وتعاهدته الأجيال بين الأُسرة الحاكمة والشعب. العدالة والمساواة المستندتان إلى الشريعة الإسلامية السمحاء، هي ما مكّن المؤسِّس عبد العزيز من الأرض وقلوب من عليها، فلن ينسى التاريخ مقولته الخالدة (على كل فرد من رعيتنا يحس بظلم وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى ويبعث بها عن طريق البريد لنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي)، هذه الرؤية الإنسانية العميقة للعدالة والمساواة، تربى عليها أبناء المؤسِّس وأحفاده، تمثل اليوم الملجأ والحاضنة للسِّلم الاجتماعي الوطني في تاريخ المملكة العربية السعودية، فهي بذات المعنى والعمق وبعد عقود من الزمن، تمضي على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - حين يقول (يستطيع أي مواطن أن يرفع قضية على الملك أو ولي عهده أو أي فرد من الأسرة والحمد لله دستورنا كتاب الله وسنّة رسوله)، رغم مضي عقود بين المقولتين من المؤسِّس الصالح عبد العزيز والملك الصالح سلمان، إلا أنّ ما تحقق بينهما لهذه الأرض وإنسانها يشهد بأنها كلمات راسخة في الوجدان تترجمها الشواهد والوقائع لا الألسن!