هناك وجه شبه بين الخميني وصدام مؤداه أن هذا وذاك قد اتخذا من قضية فلسطين (ذريعة) لتحقيق أطماعهم التوسعية. صدام حينما غزا الكويت قال إن الطريق إلى القدس يمر أولا بالكويت، وصفق له أول من صفق القادة الفلسطينيون، وامتلأت شوارع غزة بالمتظاهرين تُردد: (بالكيماوي يا صدام)؛ ومنه تعلم الخميني والخامنئي من بعده وخادمهم المطيع حسن نصر الله، أن أفضل السبل لاستقطاب الشارع العربي، أن تتبنى قولا لا فعلا تحرير فلسطين. والتذرع بتحرير فلسطين لاستقطاب السذج والمغفلين العرب لمشاريعك السياسية كانت ديدناً لكل العسكر العرب الانقلابيين، حينما يقفزون من على دبابة لاغتصاب السلطة عنوة وبقوة السلاح، ابتداء من عبدالناصر، مرورا بحافظ الأسد، وانتهاء بالقذافي، الذي كان يعتبر نفسه تلميذا نجيبا لعبدالناصر، وقد كان انقلاب عبدالناصر، ومن ثم انتهاجه للاشتراكية، أحد أهم الأسباب التي أفقرت مصر، وأطاحت بالجنيه المصري، حتى وصل الآن إلى درجة أن أصبح سعر صرف الدولار الواحد يُساوي أربعة عشر جنيها. ومن يستمع إلى خطب عميل الفرس في لبنان «حسن نصر الله»، سيجد أنه استفاد كثيرا من تجارب الانقلابيين العرب؛ خاصة المزايدة على القضية الفلسطينية، واستغلالها لخدمة أسياده ملالي الفرس ومشروعهم الكسروي، الذي جعل من التشيّع ونصرة الشيعة، وسيلة لاستقطاب السذج المغفلين من الشيعة العرب، كما اتخذ من قضية فلسطين وسيلة لاستقطاب السذج المغفلين من السنة العرب؛ كما تعلم منه - بالمناسبة - الحوثيون في جبال صعدا في اليمن، فهم أيضا يرفعون شعار (الموت لإسرائيل) من ضمن شعاراتهم التي يرفعونها. سقوط الانقلابيين العسكر في كثير من الدول العربية، كان من المفترض أن يكون سقوطا للديماغوجيا والديماغوجيين، وأن يرثهم من يُحكّمون العقلانية والموضوعية، والاهتمام بالتنمية الشاملة، من خلال الحكم المدني الليبرالي، غير أن انتصار ثورة الخميني في إيران، وهي انتصار للتأسلم السياسي الشيعي، والدولة الكهنوتية، أغرى المتأسلمين المسيسين السنة على أن يرثوا العسكر وخطابهم العروبي المزعوم، وبدلا من أن تتجه الشعوب العربية إلى الحكومات المدنية، أصبح الخطاب السياسي الطاغي، يتزعمه دعاة التأسلم المسيس من أهل السنة، الذين يدعون للنموذج الإيراني، ولكن بصبغة سنية؛ أي إلى (دولة كهنوتية). وكما استغل ملالي الفرس القضية الفلسطينية، والمزايدة عليها، استغل المتأسلمون المسيسون السنة قضية فلسطين، فأصبح كل مناوئيهم والمختلفين معهم سياسيا، يصفهم ديماغوجييهم الغوغائيين بالتصهين، والتفريط بالقضية، والتعامل مع الصهاينة. وكما يقول المثل (الشتاء ضيعت اللبن)، فقد ضيع ما يسمونه (الربيع العربي) بريق الإيرانيين، ومعهم إلى حد كبير حركات التأسلم السياسي السنية، الأمر الذي جعلهم يتبنون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهم يرون اضمحلال شعبية حركاتهم، كثيرا من المفاهيم السياسية الحداثية، التي كانوا يرفضونها كالديمقراطية، والأهم (العلمانية) التي تبناها علنا المتأسلمون الأتراك والتونسيون. ومهما يكن الأمر، فإن إيران في الآونة الأخيرة أصبحت عدوا في قواميس كثير من العرب، خاصة عندما ناصرت نظام الأسد الذي هو أسوأ نظام استبدادي دموي عرفه العرب على مر تاريخهم. إلى اللقاء