انتقلت إلى رحمة الله تعالى أختي وحبيبتي وقرة عيني سارة بنت حمد اليحيى، أم أحمد بن عثمان التويجري رحمها الله تعالى ونحتسبها عند المولى الكريم من الأبرار الصالحين إن شاء الله تعالى. أنا لا أكتب هنا لأنعيها ولا لأرثيها فهي إن شاء الله تعالى رحلت من دار الابتلاء إلى دار الرضى والخلود محملة بطاعة الله سبحانه وتعالى والعمل الصالح والبر لزوجها الفاضل الذي كان خير رفيق ومعين ووالديها وأسرتها وكل أقاربها ومعارفها، ولكني أكتب لأرثي لنفسي ومن حولي من فقدان تلك القدوة المباركة والقائدة المحفزة والشعلة المنيرة التي أحاطتنا بسحر شخصيتها وجمائلها من دون أن تشعرنا بذلك. لقد استرجعت خلال الأيام القليلة الماضية شريط حياتها المملوء جداً من ولادتها حتى وفاتها رحمها الله تعالى وتعجبت من أحداث ذلك الشريط المكتظ، فأمنا توفت رحمها الله تعالى وعمر أختي لم يتجاوز الأربع سنوات وتزوجت وتوفقت وأكملت دراستها بنجاح وعملت بإخلاص وأحسنت التربية مع زوجها الوفي ولله الحمد، وكنت أعتقد أنها بهذا قد استوفت جميع متطلبات النجاح في حياتها، ولكنها كانت ترى أن النجاح الأبرز والسعادة الحقيقية هو في كيف أن تعمل لترضي الله سبحانه وتعالى وأصبح هذا هاجسها ورسالتها ومحور حياتها. صحة سارة لم تكن مستقرة على الدوام ومواردها المالية لم تتعدى الراتب الشهري ووقتها لم يتخطى الأربع وعشرين ساعة اليومية ومع ذلك كنا نتعجب من كيفية إدارتها للوقت والجهد والمال والذوق الرفيع لتنجز ما نراه بأم أعيننا. إنها البركة التي باركها الله تعالى بها. لقد كانت نعم الأبنة والأخت والزوجة والأم، فهي كانت تذهب كل يوم فجراً مع أخينا الفاضل أحمد لوالدنا شفاه الله تعالى لتشاركه القهوة التي تعملها بنفسها ثم تعود لبيتها لتجهز أبنائها للمدارس وتذهب للعمل. كانت تربطها علاقة حميمية هي والأخ أحمد بأخينا خالد الذي يحتاج إلى معاملة خاصة وكانت توليه وأسرته جل اهتمامها ورعايتها جزاهما الله كل خير. كانت ولله الحمد كريمة النفس والعطاء ومسارعة في المبادرات لكل عمل طيب فلقد كانت أختا للجميع وصديقة للجميع ومرجعاً للجميع ولم يكن ذلك على حساب مسئولياتها الأسرية أو العملية. كانت تحب وتجاهد في عمل الخير وعرفت كيف تكسب ثقة ورضى الأخرين في حثهم للسعي في عمل الخير وتوجيهه في الأوجه الصحيحة وبدون أي تمييز، وهي إما لمساعدة المعسرين والمحتاجين والمرضى والمهجرين أو لبناء المساجد وحفر الآبار أو لإبهاج أطفال الفقراء وعمال المنازل. كانت تؤمن أن الدعوة لوجه الله حسب قوله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وعرفت كيف تحصن أبناءها من الغلو والتطرف وأن تجعلهم قدوة حسنة لمن حولهم بحسن الخلق والمبادرة في فعل الخيرات والتحصيل العلمي النافع. رحمك الله تعالى يا أم أحمد رحمة واسعة وجعلنا نحن وأبناءنا وبناتنا وجميع من يعرفك أو يسمع عنك نستذكر ونتتبع خطواتك المباركة وأن نكون رسل سلام ومحبة وخير للجميع، وجمعنا العلي القدير وإياك في جنة الخلد وإنه قادر على ذلك سبحانه وتعالى. ** **