بعد انتهاك عديد من الدول للقانون الدولي وحتى الأخلاقي وبالذات الدول التي تصنف كدول كبرى، هل أصبح العالم صورة مكبرة للغابة؟ نعلم أن الغابة تسكنها الوحوش والحيوانات المفترسة إلا أن الدراسات والأبحاث التي أجراها العلماء أكَّدت أن للغابة أيضًا قانونها الخاص، فالحيوانات المفترسة لا تقدم على مهاجمة الحيوانات الأخرى إلا لسد حاجتها من الغذاء، عندما تشعر بالجوع، كما أن الحيوانات تعيش في ربوع الغابة دون أن تهاجم بعضها بعضًا، ولا ترتكب جرائم إبادة كالذي تفعله الدول مع بعضها بعضًا وترتكب جرائم إبادة للبشر كالذي نشهده ونتابعه الآن في سوريا وبالتحديد في مدينة حلب التي تتعرض لإبادة جماعية تشارك في ارتكابها كل من روسيا وإيران وعسكر الأسد والميليشيات الطائفية القادمة من العراق ولبنان وأفغانستان. وهكذا تكون الدول الكبرى التي منحت امتيازات تحصين أفعالها المشينة الإجرامية كالذي تفعله روسيا وقبلها أمريكا، إِذ توظف كلا القوتين (سلاح الفيتو) لمنع المجتمع الدولي ليس لعقابهما، بل حتى لمنعهما وغيرهما من الدول الثلاث التي تشاركهما امتياز العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، من مواصلة ارتكاب جرائمهم التي استباحت كل القوانين بما فيها الضوابط الإنسانية، ولأن المجتمع الدولي عجز عن منع روسياوأمريكا وقبلهما فرنسا وبريطانيا والصين من ارتكاب جرائم إبادة البشر، مثلما فعل الأمريكيون في العراقوأفغانستان وقبل ذلك في فيتنام وكوريا، ومثلما فعلت روسيا في أفغانستان والشيشان وما قامت به فرنسا في الجزائر ومستعمراتها الإفريقية، وبريطانيا في عديد من الدول التي استعمرتها والصين في التبت، كل هذه السلسلة من جرائم إبادة البشر جعلت الآن روسيا ترتكب جرائمها التي نفذتها في عهد بوتين، ففي الشيشان صنعت واحدة من أبشع جرائم الإبادة في جروزني التي تعرضت للتدمير وإبادة نصف أهلها، وهو نفس ما تفعله الآن في حلب التي تعد نسخة جديدة لأسلوب بوتين في فرض استعباد واخضاع البشر الذين إن لم يرضخوا لتسلط نظام بشار الأسد الفاقد للمصداقية وحتى الإنسانية لا يستحقون أن يبقوا على قيد الحياة، وهكذا حصدت طائراته المقاتلة وصواريخه ودباباته ومدفعية حلفاؤه من الميليشيات الطائفية والحرس الثوري الإيراني في أسبوع واحد أربعمائة قتيل و1700 جريح يعانون من إصاباتهم محاصرين داخل المدينة لا يسمح لهم بالخروج منها للعلاج بعد أن تعذر علاجهم لأن جميع المستشفيات قد دمرتها الطائرات الروسية. التدخل الروسي الذي دخل عامه الثاني لقتل الشعب السوري وصلت حصيلته إلى عشرة آلاف قتيل، والمسلخ الروسي الإيراني متواصل في سوريا متشجعًا من الضعف الأمريكي الذي يكشف عن تواطؤ خفي يستهدف الاقتصاص من المسلمين الذين يرفضون الاستكبار بشقيه الروسي والأمريكي.