لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم, وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا. - الأفوه الأودي من يقود المجتمعات على الدوام هي النخب هذه التي ترى وتقرأ خلف الكلمات والأشياء المباشرة ، وتربط وتقارن وتفكر بعقلية تحليلية لا عاطفية اندفاعية , وليس بالضرورة ان يتوافق فكرها مع رأي وفكر العوام الشعبوي الاندفاعي والصادق احيانا ولكن على مستوى واحد.. مستوى ردات الفعل . وعندما تسقط هذا النخب نحو الاستجداء والرغبة في سماع تبجيل وتصفيق العامة مفضلة مكاسب آنية على إحداث صدمات الوعي عندما تفعل النخب ذلك تُفتقد البوصلة وتضيع الرؤية التي تقود نحو الآمان وعبر مناورات صعبة وشاقة تفرضها المرحلة. الاندفاع نحو حفلة الشتائم ضد إيران مثلا وضد المؤتمرِين في قرزوني وحتى ضد الأزهر وضد دعاة حقوق الإنسان العالمية وقانون جاستا نتفهمها جيدا من بسطاء الناس الذين دائما ما يعبرون عن الوعي الجمعي بعفوية صادقة لكنها ما تلبث ان تنحسر ويهدأ الضجيج لكن القضايا التي اندفعوا من أجلها تظل بتعقيداتها. نعم لدينا مشكلة كبرى في معالجة العميق والعديد من القضايا مع ايران ومع مؤتمري قرزوني ومع الأصوات المتنامية ضدنا هنا، وهناك غير أن تناول وعلاج هذه الاختلافات بهذا الاحتفالية من السباب والشتائم والتسفيه لا تليق بنا اولا ولا تحل ولا تحلحل المشاكل ثم انها لا تفعل سوى ان تضيف الكثير من الوقود الى النيران التي تستعر. ثم ان هذا الخطاب لا يقرأه سوى نحن ولا يصفق له سوى نحن ونحن ايضا نتبادله, أما العالم فله رؤيته وتفكيره وتحليله المختلف ولن نصل اليه الا عبر الآليات الفكرية والعقلية والمنطقية وتفنيد وتكذيب هذه الادعاءات أو على الاقل التحاور حولها ثم زعزعتها ودحضها لأننا ببساطة لا نستطيع مقارعة العالم كل العالم ولا الادعاء ان كل ذلك الذي حولنا لا يهمنا ولن نستطيع ان نعتزل العالم ونحيا بدونه ، ونحن جزء من هذا العالم ومن مؤسساته التي ننتمي اليها وبالتالي فإن الحوار والنقاش ولغة العقل هي الفيصل نحو نقطة التلاق وتبيان الحقيقة. وهذا هو عمل النخب الثقافية والفكرية الواعية والمؤهلة، ولكن عندما تندفع هذا النخب بذات الفكر الشعبوي فإنه حقا هناك مشكلة كبيرة مشكلة تبين هشاشة المثقف وابتهاجه بالتصفيق على حساب التفكير بصوت وحكمة. والعالم يتغير وادوات الأمس قد لا تجدي اليوم وحلفاء الأمس ربما لم يعودوا الآن حلفاءنا ولا مصالحهم معنا وبالتالي فإن انتهاج الصوت الواعي العاقل المختلف هو وحده المخرج من هذه الأزمات التي تحيط بنا وتتزايد وليس لغة الصراخ التي لن تتجاوزنا نحن لكنها ايضا قد تٌرصد وتسجل ضدنا. وقانون جاستا مثلا الذي تعمل المؤسسات التشريعية الأمريكية بجد على إقراره ما لذي فعلنا على المستوي الفكري لدحضه وتكذيب ادعاءاته ليس هنا ولكن داخل الدوائر الغربية؟ وأخاف أن أقول خطابنا الإعلامي والفقهي والفكري ما زال بعيدا عن استشراف الخطر هذا الخطر الذي سيضيف لنا الكثير من المتاعب. ومختصر القول اننا بحاجة الى التفكير بوعي ومنطق في كيفية ملامسة هذا القضايا وطرح رؤيتنا وموافقنا باتزان وموضوعية وآلية مختلفة وحتى وجوها وأسماء جديدة لتكسبنا المزيد من الأصدقاء وتعري وتقلص الأعداء وفي نهاية اليوم لن يصح الا الصحيح.