رغم وطأة الأزمات والصراعات التي يواجهها المجتمع الدولي اليوم، إلا أن التحول اللافت الذي ينتهجه العالم منذ سنوات أضحى مختلفًا عن السابق، فدائرة المعالجات المغلقة التي كان يقتصر القرار والتنسيق فيها على مجموعة محدودة من الدول تكون في الغالب اللاعبين الأساسيين في المشهد الدولي، استبدلت بدائرة أوسع من المشاركين الدوليين، الأمر الذي يعكس مدى تمدد الأزمات وتحول قناعات اللاعبين الأساسيين، بأن دائرة المشاركة في الحل ينبغي أن تكون أوسع وأشمل. هذا الأمر، يبدو جليًا في قمة ال G7 التي توسعت لتصبح G20، كما يشمل الاتجاه الدولي لعقد قمم على مستوى القادة في موضوعات تعد استجابة لضغوطات الواقع كما يتجلى ذلك الآن في أول قمة من نوعها للاجئين وتمويل العمليات الإنسانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم للمتحدة بمشاركة 193من الدول الأعضاء. الأزمة التي تتفاقم على الصعيد العالمي اليوم، ليست فقط متصلة باللاجئين لأسباب سياسية وأمنية بسبب الاضطرابات التي تتفجر في العالم هنا وهناك، بل تمتد أيضاً إلى المهاجرين لأسباب اقتصادية، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت إلى وصف ما تواجهه أوروبا ب(الغزو السلمي) من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي إشارة قد تحمل تخوفًا كبيرًا على الهوية، ونتج عنها في التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ملف هذه الأزمة يتضخم يومًا بعد يوم، حتى وصل إلى 65 مليون إنسان يعكسون حجم هذه المعضلة الإنسانية التي تنقسم إلى 21.3 مليون لاجئ وما يقارب 40.80 مليون مهاجر، إضافة إلى 3.2 مليون مسجلين في قوائم طالبي اللجوء، والأمر المقلق اليوم هو اتساع دائرة الاضطرابات والأزمات السياسية في العالم، بما ينذر بتضخم هذا العدد مع حقيقة ضعف التنسيق والإمكانات المالية الإنسانية لمواجهته! الدور السعودي الفاعل على الساحة الدولية كان حاضرًا بامتياز في هذا الملف الإِنساني، من خلال مشاركة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الذي أوضح أمام العالم أن المملكة من أكبر الدول المانحة، مفصلاً الدور السعودي تجاه أزمة اللاجئين السوريين التي تهز الوجدان العالمي. فالمملكة وحدها استقبلت 2.5 مليون مواطن سوري داخل المملكة، لم تتعامل معهم كلاجئين ولم تضعهم في مخيمات حفظًا واحترامًا لكرامتهم الإنسانية، ومنحتهم حق العمل والتعليم والرعاية الصحية المجانية، ووصل عددهم إلى نصف مليون مواطن سوري سمحت المملكة لمن أراد منهم البقاء في المملكة. وأوضح سمو ولي العهد، أن المملكة أيضًا دعمت ورعت الملايين من السوريين في الدول المجاورة لوطنهم، وقد وصلت تلك المساعدات إلى أكثر من 800 مليون دولار إضافة إلى المساعدات التي تطوع بها المواطنون السعوديون في مناسبات عدة. ولم يتجاوز سمو ولي العهد الدور السعودي تجاه الأشقاء اليمنيين، الذين اعتبرتهم المملكة زائرين، واستثنتهم من نظامي العمل والإقامة. حديث سمو ولي العهد كان شاملاً، وموضحًا أن المملكة العربية السعودية دائمًا في مقدمة الركب لمواجهة الأزمات الإنسانية على الصعيد العالمي دون تباكٍ ولا مساومات في مجتمع دولي أضحى لا يقدم سوى الدموع، وهذه الحقيقة لا تستند إلى معلومات إنشائية بقدر من تترجمها حقائق الأرقام فقد قدمت المملكة ما يقارب 140 مليار دولار على الجهود الإنسانية والإغاثية خلال أربعة عقود، لم تميز فيها بين دين أو لون أو عرق، لتحتل وبشهادة أممية المركز الثالث عالميًا في دعم اللاجئين. الإشارة المهمة في حديث سمو ولي العهد، أن هذه الأزمة تتغذى على الحروب العرقية والكوارث والنزاعات المسلحة، وأن حلها لا يمكن أن يكون دون تضافر الجهود الدولية بموجب ميثاق الأممالمتحدة لمواجهتها، فالعالم اليوم لن يكون بمأمن من التراخي في مواجهة الأزمات الإنسانية دون البحث في جدية مواجهة محفزاتها وأسبابها.