في بعض الأحيان يمكن لحقيقة واحدة أن تفسر لنا أزمة عالمية خلف القوارب المطاطية المكدسة بأناس يائسين يأملون في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية ومعسكرات اللاجئين المنتشرة في صحاري الأردن أو حتى في سهول تشاد يسكن رقم له دلالة كبيرة. عدد الأشخاص الذين أجبرتهم الصراعات في مختلف أنحاء العالم على ترك بيوتهم قفز بنسبة 40% منذ 2013. وعليك العودة إلى أوائل تسعينيات القرن العشرين، في فترة المذابح الرواندية والحروب الأهلية بين جمهوريات دولة الاتحاد اليوغوسلافي السابق، لكي تكتشف الوقت الذي ترتفع فيه أعداد المشردين في العالم بشدة في فترة زمنية قصيرة. البيانات ذات الصلة في هذا السياق هي كما يلي: في عام 2013 وصل إجمالي عدد اللاجئين سواء الفارين عبر حدود بلادهم أو اللاجئين داخل بلادهم إلى 33 مليون لاجئ. وبحلول 2015 ارتفع هذا العدد بنحو 13 مليون لاجئ ليصل إلى 46 مليون لاجئ. كانت الأزمة السورية السبب الأكبر لهذه الزيادة في أعداد اللاجئين، لكن على الجانب الآخر من العالم هناك حوالي مليوني شخص فروا من مناطق سيطرة جماعة بوكوحرام في نيجيريا، و2,2 مليون لاجئ آخرين فروا من الحرب الأهلية في جنوب السودان. وفي عبارة موجزة وصف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي أعد هذه البيانات الوضع الراهن لأزمة اللاجئين في العالم بأنه «قفزة كمية في أعداد المشردين قسريا». حروب اليوم تؤدي إلى ظهور أعداد من اللاجئين تفوق الأعداد التي ظهرت نتيجة الصراعات السابقة، ورغم أن هذا قد يبدو غريبا، فإن هذه الزيادة ليست بالضرورة نبأ سيئا. فرغم كل شيء فإن أكبر سبب لزيادة أعداد اللاجئين هو أنه حتى في أشد الدول اضطرابا هناك زيادة كبيرة في عدد السكان. لو كانت الحرب الأهلية قد اشتعلت في سوريا عام 1970، فإن أزمة اللاجئين لم تكن لتصبح بمثل هذا الوضع الكارثي اليوم. ففي ذلك الوقت كان عدد سكان سوريا 6 ملايين نسمة فقط مقابل 20 مليون نسمة على الأقل اليوم. هناك زيادة في عدد اللاجئين، لآن هناك نموا في عدد السكان، في الوقت نفسه فإن أعداد السكان زادت لأن العالم نجح في خفض معدلات وفاة الرضع وزيادة متوسط الأعمار حتى في الدول الأشد فقر. كل هذا التحسن في حياة البشر حدث بالصدفة بمشاركة كبيرة من جانب برامج تمولها كل دول أوروبا التي تجد نفسها اليوم في مواجهة أزمة تدفق اللاجئين. الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أنفقت مبالغ مالية كبيرة على برامج الرعاية الصحية وحملات التطعيم للأطفال في مختلف بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا. والنتيجة كانت زيادة كبيرة في عدد الأطفال الذين نموا وأصبحوا شبابا وبالغين في تلك البلاد، وبالتالي زاد عدد الناس الذين سيتحولون إلى مهاجرين أو لاجئين إذا ما نشبت حرب في بلادهم. والحقيقة أن أعداد المهاجرين القادمين إلى أوروبا تتزايد ليس فقط بسبب الحرب والفقر. ولكن أيضا لأن عدد السكان في الدول المتضررة من الحروب والصراعات أكبركثيرا مما كان عليه في الماضي، وذلك لآن أوروبا كانت قد قامت بالعمل الصواب من خلال القضاء على مرض الجدري والتطعيم ضد شلل الأطفال في هذه الدول النامية في سنوات سابقة على سبيل المثال. كل هذا يعني أننا نحتاج إلى تعيير طريقة فهمنا ل«أزمة المهاجرين». فكلمة «أزمة» نفسها كلمة مضللة لأنها تشير إلى لحظة خطر عابرة ستنتهي فيما بعد وهو أمر لا ينطبق على ظاهرة الهجرة الحالية. السبب الرئيسي لتدفق اللاجئين من إفريقيا والشرق الأوسط ليس عابرا ولا مؤقتا وإنما هو سبب هيكلي. ففي أحدث مسح له عن الصراعات المسلحة، تحدث معهد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن سياسات يمكن أن تؤدي إلى توقف تدفق البشر من مناطق القتال واللجوء إلى الوسائل المعتادة مثل ممارسة «ضغط فعال» على نظام حكم بشار الأسد في سوريا لكي يلتزم ب«القوانين الإنسانية الدولية» في الوقت الذي يمزق فيه سوريا إلى أشلاء. فهناك فرصة ما لذلك. كما يدعو المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى «تحسين سبل وصول المساعدات الإنسانية في دول الصراع» بحيث لا يجد الناس أنفسهم مضطرين لترك بلادهم بحثا عن المأكل والمأوى. هناك فرصة ما لذلك، لكن في حالات مثل بوكو حرام وتنظيم داعش، لا توجد أي فرصة لكي تسمح هذه التنظيمات الإرهابية بمرور المساعدات الإنسانية عبر المناطق الخاضعة لسيطرتها. الحروب دائما تجبر أعدادا كبيرة من البشر على الفرار من مناطقها. وعدد السكان يتزايد بشكل عام، لذلك فالصراعات المستقبلية ستؤدي إلى أعداد أكبر من اللاجئين. وإذا كان 46 مليون شخص قد فروا من بيوتهم بسبب الصراعات اليوم لكي يعيشوا في مخيمات اللاجئين، فإنه من المحتمل أن يكون العدد أكبر في أي صراعات قد تنشب بعد 10 سنوات مثلا. إذن يجب التوقف عن استخدام الجملة العابرة «أزمة الهجرة» في التعبير عن مشكلة أصبحت جزءا من نسيج العالم. - ديفيد بلير