غالبا ما تحصل إشكاليتنا الفكرية نتيجة غموض المصطلحات أو تقاطعها مع عقائدنا الثابتة، ومصطلح السلام في علاقة الصراع العربي الإسرائيلي من تلك المصطلحات المتقاطعة. ظهر مصطلح السلام بعد إنشاء الدولة الإسرائيلية في فلسطين 1948م، وقد بدأت الحركة الفعلية لتاريخ هذه المفاوضات عام 1978م بعد معاهدة كامب ديفيد، هذه المعاهدة التي أفسدت الوحدة العربية وأخرجت مصر أدبيا من المنظومة العربية، وفي أغسطس 1981م تقدمت السعودية بمبادرة للسلام العربي الإسرائيلي بقيادة ولي العهد -حينذاك- الأمير فهد بن عبدالعزيز آل سعود، ونصت بعض نقاطها على انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967م، وإزالة المستعمرات، حق عودة اللاجئين، قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، إلا أن المبادرة تم سحبها في نوفمبر في نفس العام، بعد رفضها من وزارة الخارجية الإسرائيلية التي رأت من خلال رئيس الوزراء «مناحيم بيغن»، أنها تحمل التدمير لإسرائيل، وفي 1993م تمت اتفاقية أوسلو السلام الفلسطيني الإسرائيلي، التي بموجبها أنهت أي صراع عسكري مسلح بين إسرائيل والفلسطينيين ممثلين في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 1994م تمت معاهدة السلام مع الأردن، وفي عام 2002م تقدمت السعودية بمبادرة سلام عربي إسرائيلي بقيادة ولي العهد -حينذاك- الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وحملت ذات المبادئ التي حملتها المبادرة السعودية الأولى التي تنص على أن أي تفعيل لتطبيع بين العرب وإسرائيل لن يتم إلا بعد انسحاب إسرائيل إلى حدود 67، وعودة الجولان واللاجئين الفلسطينيين، وإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس، ولا تزال المفاوضات مستمرة دون أن تحرك قدما أوساقا. وكل تلك المفاوضات رغم حركتها المتذبذبة غالبا ما كانت تعود خاسرة إلى المربع الأول، وأهم أسباب فشل تلك المبادرات أن كلا الطرفين يريد السلام وفق مفهومه هو وشروطه، وبذلك يحيط بالسلام ثلاثة مآزق؛ مأزق التوصيف، مأزق الغاية، مأزق الإجراء والتنفيذ. وتلك المآزق تكمن في الخلاف بين كلا الطرفين على الحدود الجغرافية لدولة فلسطين، القدس، الجولان، اللاجئين، وديننة الدولة الإسرائيلية، ولذا لن تنجح أي عملية للسلام إلا من خلال تنازل الطرفين أو أحدهما عن صياغته التزمتية لمعايير تشكيل عملية السلام ولعل العرب الأقرب إلى الحلقة الأضعف. ولاشك أنه رغم تلك المآزق فالرغبة في السلام موجودة لدى كل من العرب والإسرائيليين. ويمكن إيجاز أسباب رغبة العرب في تحقيق السلام في الآتي: * المسئولية التاريخية الدينية نحو أولى القبلتين ومصدر الفخر البطولي العربي فلسطين. * تنقية المنطقة من الصراع المسلّح، فالسلام مع إسرائيل سيلغي التوجس بين الطرفين، والتنافس على التسليح والمؤامرات الاستحواذية. * تخلّص الدول العربية وخاصة الخليجية من العبء الاقتصادي الإلزامي نحو الدولة الفلسطينية المؤقتة وتحمّل الفاتورة الباهظة للاجئين الفلسطينيين في دول الخليج وبقية الدول العربية. * تنقية الفكر العربي الشبابي من التطرف والإرهاب؛ إذ إن بقاء فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي سيظل قاعدة تغذية للخطاب الديني المتطرف الإرهابي الذي يصطاد حماس ووجدان الشباب العربي. أما بالنسبة لإسرائيل فالرغبة في السلام يحقق لها فوائد منها: * تثبيت الواقع الكائن وهو تثبيت يقطع أي رجوع للخلف أو كما عبر عن ذلك بيريز «من السهل كسر البيض لإعداد العجة، إلا أنه يستحيل تحويل العجة إلى بيض جديد»، وهو ما سيجعل إسرائيل متطرفة لأقصى حدّ للتمسك بمسودة ضوابط سلامها مع العرب. * إعادة تقسيم المنطقة وفق ما يسمى الشرق الأوسط الجديد، «فالتركيز على حقيقة الشرق الأوسط الجديد بأبعاده المختلفة، وطبيعة الأرض المختلفة فيه بدلا من التيه والإغراق في الذكريات». -شمعون بيريز- * التخلص من العبء الاقتصادي الحاصل من إجراء التسلّح المستمر للحماية من جيرانها العرب. * تحقيق التنمية الاقتصادية فالدولة العربية سوق اقتصادية كبيرة يمكن أن يحوّل إلى كيان اقتصادي منظم، ولذلك قال شمعون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد «يهدف السلام إلى خلق أسرة إقليمية من الأمم ذات سوق مشتركة وهيئات مركزية مختارة على غرار الجماعة الأوروبية». * تذويب اللاجئين الفلسطينيين في مجتمعات الشتات بحيث يضمن ذلك التذويب عدم عودتهم. * تحقيق الحلم التاريخي بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات عاصمتها القدس. * تفعيل حركة التطبيع والتعايش الشعبيتين بين العرب وإسرائيل. وهكذا نستنتج أنه على الرغم من أهمية السلام للعرب والإسرائيليين إلا أن ما يحيط به من خلافات وحسابات متضادة يدخل السلام في صراع مما يحوله إلى تنافس على التفوق والانتصار وهو ما يقرب التفاوض على السلام إلى ساحة حرب باردة بين الطرفين.