لبلادي كل عام وأنت بخير، وأمان وأعياد، ولأحبتي كل عام وأنتم بخير، ولمن أسدى لي فرحًا صغيرًا كان أو كبيرًا ولكل من فاتني الوفاق معه، أو توغل بيننا الشقاق كل عام وأنت بخير ولكل من غابت عنه فرحة العيد السعيد _لأي سبب كان- كل عام وأنت بخير، رغم أنف الحزن وغلبة القهر القادر على جعل الأنفاس متيبّسة. الحزن هذا الهرِم الذي لا يموت لولاه ماركض القلم في دروب الأوراق ناصحًا،ساخطًا،ومعبّرًا عن مواجع صاحبه، فمن حضنه ارتوى الشعراء وتنفّس الكتّاب، وبسببه صفّق القارئ ،وأنا هنا لا أُحرض على الحزن ونبذ الفرح إنما أذكر بعض مآثره التي نتناساها في خضم مانلقى منه. الحزن من المفترض أن يُربّي الذوق العام ويهذّب شعث المشاعر الإنسانيّة النافرة من الالمام والاهتمام بشعور الآخر، بشريّتك وحدها لا تكفي على مايبدو لتشعر بمن حولك ،والإحساس بالآخر علم لا يُكتسب في يوم أو يومين بل من مواجع متلاحقة . إذا مرّ بك الحزن دون أن تتعلّم منه مايصلح حالك ومستقبلك، وتدرك احتياح ومواجع الناس فاعلم أن الحزن ضيّع وقته وبالغ في إذآء نفسه، وأنت إن مت تعود إلى أصل خلقتك من تراب، أمّا موت ضميرك تجاه فهم الحزن ومواجع الآخر يحوّلك إلى حيوان فاختر لنفسك الممات المناسب، وقبل هذا ثق تمامًا إننا في أمسّ الحاجة لانقراض الحيوانات البشرية التي تنتظر الفرصة المناسبة لتكشّّر عن أنيابها بأعذارٍ واهية لا يستظل بظل مسوّغها عقلُ ذو رُشد. إذا كنت تخشى أن تتسبب في جرح أحدهم فثق أن الحزن ربّاك وتعهدك بالعناية، وإذا سوّلت لك نفسك ألف مُبررٍ للخيانة ثم تذكّرت تلك الثقة وهي تصفع وجه من وثق بك فثق أن الحزن ربّاك وتعهدك بالعناية، وإذا جاء إليك أحدهم مُعتذرًا فقبلته وقبلت اعتذاره فثق أن الحزن ربّاك وتعهدك بالعناية، إذا خوّلتك نفسك محام دفاع عن كل ضعيفٍ فثق أن الحزن ربّاك وتعهدك بالعناية، أمّا إن عجزت عن كل هذا فثق أنت من ربّى الشيطان وتعهده بفائق العناية. الحزن يصقل الموهبة ويدفع الفرد للنهوض ،وحتى الحكومات المهزومة تُراجع أخطاءها وتبني لمستقبلها، وأحزان اليابان كانت الدافع لنهوضها ،فالحزن يعلّمنا كيف نمسح دموعنا لنستطيع رؤية الطريق المؤدي للغد، ومنه ينبثق الأمل الذي نهُش به على مواجعنا الماضية، وكل مافي هذه الحياة خُلق ليقف في صفّنا مساندًا لنا فالشمس التي تكنس بشعاعها ظلمة الليل تتوجع بمواجعنا، حتى الورد الذي يتزلّج على جسده الندى. الصورة الجميلة التي ترسمها هذه المخلوقات عن الحياة هي في حقيقتها دعوة لنقف على قمة آلآمنا نلوح للأمل فالله لا ينسانا. - نادية السالمي