دراما رمضان بالنسبة للفن هي حبة الدواء التي يتوجب على الجمهور البائس ابتلاعها، معادلة التلفزيون الخليجي في رمضان هي: (إعلانات فيمتو + مسلسلات بالهَبل)، ببساطة قنوات التلفزيون تحصل على مبالغ عالية من الإعلانات التجارية وبالمقابل تقوم بتكثيف عروض المسلسلات التلفزيونية طول امتداد شهر رمضان المبارك. مصطلح «مسلسلات الفيمتو»، يقصد به أن الفيمتو يعتبر من المشروبات النادرة طيلة فترة امتداد العام ولكن في شهر رمضان هو العصير الأكثر شهرةً لأنك ستراه في التلفزيون، وفي الأسواق، وفي الشوارع الضيقة، وفي المحلات الصغيرة، وفي المحلات الكبيرة، والأهم من ذلك تجده حاضراً في جميع موائد الإفطار، بالتالي أصبح مشروب الفيمتو في الخليج مرتبطا مباشرةً بشهر رمضان المبارك، وفي السنوات العشر الأخيرة تكدست القنوات الخليجية بغزارة الإنتاج التلفزيوني في رمضان، فارتبطت الصورة الذهنية لهذه المسلسلات مع مشروب الفيمتو الذي يتم نسيانه بشكل مباشر بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. ربما يتصور البعض أنَ غزارة الإنتاج التلفزيوني في رمضان يفتح ساحة للمنافسة بين الفن الحقيقي والفن الهزيل ولكن في الواقع غزارة الإنتاج هي إبادة جماعية، إن كانت الغاية من المسلسل التلفزيوني وكادره هو مجرد العمل في رمضان، واستمرار الإنتاج، بالتالي فإن عالمه الفني سيصبح تكرار محدود الخيارات، وسيكون عمره التقديري لا يتجاوز شهرا واحدا فقط، إذن كثير من الأعمال الفنية في رمضان تعمل ما بوسعها لإبادة نفسها قبل أن تنتصر ضد غيرها. إن كانت غاية الفن هو مجرد الظهور في أعمال رمضان، سيصبح الفنان عبداً لتلك الغاية، وأعماله الفنية ستكون محكومة لمعايير العبودية المطلقة، والعمل الفني لا يحتاج للكثير ليكون قادراً على العيش، ولكن للأسف نحن في العالم العربي نفتقر لغريزة البقاء وحفظ النوع. بعد كل حلقة من مسلسل «سيلفي - الجزء الثاني» نشاهد جدلا ونقاشا غير منتهي بين مؤيد ومعارض، ولكن هنالك رأي واحد يتم الاتفاق عليه وتداوله بشكل دائم، وهو جرأة الطرح، ناصر القصبي من الفنانين الذين يجعلون الجمهور يشعر بالحجم الحقيقي للأشياء، القصبي فنان موهوب وظل يحمل عبء موهبته طيلة مسيرته الفنية، وكما يُقال «الفن ابتلاء»، لأنه يُعرض صاحبه للهجوم الدائم وعدم الاحترام، ومن ناحية أخرى يَفرض على صاحبه مسؤوليات وعبئا اجتماعيا كبيرا، إذاً يجب شكر ناصر القصبي على ما يُقدمه. مما يُعاب على مسلسل سيلفي هو كونه يسير بطريقة الجنس السردي الذي كان الجمهور يشاهده سابقاً في «طاش ما طاش»، لا توجد أي مفاجئة درامية من ناحية السرد، التصاعد الدرامي للحلقة تقليدي جداً ومألوف ولا يوجد فيه أي عُمق، وأحياناً نشاهد حلقات على مستوى عالي من الإبداع، ونشاهد حلقات أخرى بمستوى يثير الشفقة والخجل وكأن المسلسل يسمح لنفسه بارتكاب مثل هذه الهفوات. ومن ناحية التأليف يكاد يكون خلف الحربي أفضل كاتب ساخر بالخليج، وأسلوبه امتزج بالسخرية ولكن بطريقة ذكية وبمهارة عالية في التلميح لأجل كشف عيوب المجتمع، مشكلة النص في التكرار لأن هذا الأسلوب في الكوميديا أصبح مُمتدا لأكثر من ثلاثين عاما، ووصل مرحلة لا يستطيع تجاوزها، وفي هذا الزمن عرض القضايا الاجتماعية عبر حلقات منفصلة جعل المسلسل على مستوى منخفض من التأثير، أي أن الانطباع الذي يتكون لدينا بعد مشاهدة حلقة من «سيلفي» مشابه لنفس الانطباع الذي يسببه مشاهدة تسجيل فيديو عن قضية اجتماعية من مواطن حُر في اليوتيوب أو مشاهدة خبر في التلفزيون عن قضية اجتماعية أو حتى قراءة تغريدة تُعري ما ترغب في كشفه، في كل الأحوال تكون النتيجة الدرجة نفسها من التأثير. الفن الحقيقي نشاط إنساني إيجابي يصب في إنماء المجتمع، ومن خلاله يُسمح للفنان باستخدام تأثيره. الابتكار والأصالة ضرورة من أساسيات بناء الصورة الفنية والسردية للعمل الدرامي الإبداعي، بمعنى آخر لا يمكن إنجاز العمل الفني الحقيقي إلا عبر الابتكار المُلهم من داخل الوسيلة نفسها؛ أي ابتهاج دائم عند كل مشاهدة.