الرحيل المفاجئ للدكتور سليمان السليم كان صدمة موجعة، ليس فقط لأصدقائه ومعارفه، وإنما أيضاً لكل من سمع عن سيرة هذا الرجل النبيل الذي عُرف بالنزاهة والوطنية والتفاني في العمل في جميع المواقع التي شغلها منذ أن كان أستاذاً بالجامعة حتى مغادرته للعمل الحكومي وهو على هرم واحدة من أهم الوزارات في الدولة وهي وزارة المالية والاقتصاد الوطني. وقد لمع اسم الدكتور سليمان السليم عندما كان أستاذاً في الجامعة، حيث كان من ذلك الجيل الذي ترك بصمات خاصة في بدايات مسيرة كلية التجارة بجامعة الرياض (جامعة الملك سعود) جنباً إلى جنب مع زملائه أمثال الدكتور غازي القصيبي وأسامة عبدالرحمن وغيرهما. وبرز الدكتور سليمان السليم على الساحة المحلية كمثقف نابه من خلال مقالته الأسبوعية في مجلة اليمامة حينذاك وإطلالته عبر التلفزيون في مساهمات وتحليلات لافتة في أكثر من برنامج تلفزيوني استقطب من خلالها انتباه المشاهدين بما كان يقدمه من طروحات جديدة في شكلها ومضمونها. وعندما دخل الدكتور سليمان السليم في التشكيلة الحكومية الشبابية التي تكونت في عهد الملك خالد - رحمه الله - وزيراً للتجارة لفت الانتباه مرة أخرى ولكن كإداري يحمل رؤية مختلفة في التعاطي مع قطاع يهم كل شرائح المجتمع، وبخاصة أن تلك الفترة شهدت الطفرة المادية والتغيرات الهيكلية التي مست الاقتصاد والمجتمع. وقد كان الدكتور سليمان السليم أنموذجاً للمسؤول النزيه المخلص في أداء عمله. وحتى الذين اختلفوا معه في بعض جوانب العمل الإداري أو من كانت لهم رؤية مختلفة في أسلوب العمل يُجمِعون على نزاهة السليم وعلى إخلاصه في أداء عمله. وقد شهد القطاع التجاري تطورات كبيرة في فترة الطفرة، وكان لابد أن يواكبها تطوير في تعاطي وزارة التجارة مع الكثير من المشكلات المستجدة، وهو ما سخَّر له الدكتور السليم كل جهوده ووقته. وفي كل فترات عمله الحكومي كان الدكتور سليمان السليم لا يُبدي أي حرص على مظاهر السلطة ووجاهة المنصب الوزاري، بل كان يفضل العمل بعيداً عن الأضواء، وكان همه الأكبر هو الإنجاز قبل كل شيء. وقد تجلى زهده في المنصب الوزاري ووجاهة الوظيفة عندما طلب إعفاءه من منصب وزير المالية والاقتصاد الوطني بعد فترة قصيرة من تسلمه المنصب رغم الأهمية الكبيرة لهذه الوزارة في أي بلد من بلدان العالم. لكن سليمان السليم الذي آثر الابتعاد عن المنصب الرسمي والتفرغ لقراءاته وحياته الخاصة ظل كبيراً في عيون الناس، ولم ينحسر الوهج عنه حتى وهو خارج دائرة العمل الرسمي، فقد أحبه الجميع لسمو أخلاقه وعمق وطنيته وثقافته الرفيعة. وفي السنوات الأخيرة تشرفت بزمالته في الهيئة الاستشارية لكرسي غازي القصيبي بجامعة اليمامة، وكذلك في إحدى اللجان المتفرعة عن الكرسي، وقد لمست مدى حبه ووفائه لرفيق دربه الدكتور غازي القصيبي من خلال إسهامه المعنوي والمادي لدعم أنشطة الكرسي. لقد فقد الوطن أحد رجالاته البارزين، وفقد كلُ من عرف سليمان السليم إنساناً رائعاً محبوباً وقريباً إلى القلب. أحر العزاء للوطن برحيل سليمان السليم، وللدكتورة نورة الشملان زوجة الفقيد الكبير ولكل أصدقائه ومحبيه. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته.