مع اقتراب فترات حكمهم من نهايتها تعرض قادة راحلون مثل جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند ، ورونالد ريجان الرئيس الأمريكي ورئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر المعروفة باسم المرأة الحديدية لانتقادات قوية. ومع ذلك فإن هؤلاء القادة الثلاثة يعتبرون اليوم من بين أعظم قادة القرن العشرين. لذا من الصعب دائما التنبؤ بحكم التاريخ على الأشخاص أو الأحداث. وإذا كان لي أن أقوم بتخمين خطير، سأقول: إن الأفكار الثلاثة الكبرى لرئيس وزراء سنغافورة المؤسس «لي كوان يو» التي تحدت اختبار الزمن وهي النزاهة والمؤسسات والاستقلال لسنغافورة، وأعتقد أن هذه الأفكار الثلاثة أصبحت جزءا لا يتجزأ من كيان سنغافورة السياسي وستظل كذلك. النزاهة ثقافة النزاهة والأمانة التي أسسها «لي كوان « ورفاقه من الآباء المؤسسين لسنغافورة هي بالفعل هدية عظيمة لسنغافورة. فقد كان لي يحذر باستمرار من مخاطر الفساد.وفي كلمة له أمام «منتدى الأخلاق والنزاهة 2005» في العاصمة الماليزية كولالمبور يوم 28 أبريل 2005 قال رئيس الوزراء السنغافوري المؤسس «عندما تولت حكومة سنغافورة السلطة عام 1959 كان لدي شعور عميق بالمسئولية لإقامة حكومة نظيفة وأخلاقية. جعلنا القيادة الأخلاقية وغير الفاسدة قضية أساسية في حملتنا الانتخابية». يذكر أن سنغافورة هي بالفعل واحدة من عدد قليل جدا من الدول الخالية من الفساد تقريبا في العالم. لكن ترتيبنا على مؤشر منظمة الشفافية الدولية لقياس معدلات الفساد في العالم تراجع من المركز الخامس عام 2013 إلى المركز الثامن العام الماضي، لذلك لا يجب أن نشعر بالرضا عن النفس. المؤسسات كان « لي كوان» ملتزم بنفس القدر بإقامة مؤسسات قوية في سنغافورة. وهذا يعني أن نبوءة أستاذ العلوم السياسية الشهير في جامعة هارفارد الأمريكية صامويل هانتنجتون لن تتحقق أبدا. فقد اشتهر هانتنتجون بمقولته عام 1995 إن «النزاهة والكفاءة التي أحضرها رئيس الوزراء مؤسس سنغافورة قد تتبعه إلى قبره « لقد رحل لي كوان يو منذ عام، وبالطبع من شبه المؤكد أن الكثير من المؤسسات التي أقامها ستصمد أمام اختبار الوقت. ومن هذه المؤسسات حسب الترتيب الأبجدي (باللغة الإنجليزية) وليس حسب الأهمية هي الخدمات المدنية والنظام التعليمي والشئون الخارجية وأجهزة المخابرات والنظام القضائي والجيش. تنعكس قوة هذه المؤسسات في حقيقة أن أغلب مواطني سنغافورة عندما يستيقظون في الصباح فإنهم يتوقعون أن يسيروا في شوارع آمنة ونظيفة مع انتظام خدمات المياه والكهرباء وانتظام عمليات جمع القمامة والتنظيف مع ضمان الحصول على التعليم الجيد في المدارس والجامعات وسيادة القانون بطريقة قوية ومنضبطة ولا يخافون من أي غزو أجنبي. كل هذه الأمور والخدمات تعود إلى هدية أساسية وهي المؤسسات القوية. ولذلك فإننا نتعامل معها كلها باعتبارها من بديهيات الحياة في سنغافورة. الاستقلال الأمر الآخر الذي نتعامل معه باعتباره من بديهيات الحياة في سنغافورة عندما نستيقظ في الصباح كل يوم هو «الاستقلال». ثقتنا في «استقلالنا» أمر واضح للغاية. فقد اعتاد السيد لي على التحذير من تشتت وانكشاف سنغافورة أمام المخاطر. المفارقة أن قوة شخصية لي وحضوره الدولي القوي، أدى إلى اتساع الفضاء الجيوسياسي لسنغافورة وجعلها تبدو كدولة قوية ومستقرة للغاية. قبل رحيله، أدرك السيد لي أنه برحيله سينكمش بشكل طبيعي الفضاء الجيوسياسي لسنغافورة لأنه من غير الطبيعي لدولة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 719 كيلومتر مربع وهي واحدة من أصغر دول العالم أن تحظى بفضاء جيوسياسي كبير كما هو الحال الآن على الصعيد الدولي. ويحسب لقادة سنغافورة الحاليين ولمؤسساتها أن الفضاء الجيوسياسي للبلاد لم ينكمش منذ رحيل لي. وقد خلق لي ورفاقه من الآباء المؤسسين لسنغافورة درجة عالية من الثقة السياسية في استقلال سنغافورة بين مواطنيها. وقد أظهرنا مدى استقلالنا بالطريقة التي تعاملنا بها مع حديث الرئيس الإندونيسي الأسبق يوسف حبيبي عندما قال: إن سنغافورة «مجرد نقطة حمراء صغيرة». - كيشور محبوباني / عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية