فقدت سنغافورة أيقونتها وأبوها المؤسس، بوفاة لي كوان يو، أول رئيس وزراء لسنغافورة في وقت مبكر من يوم أمس الإثنين عن 91 عاما، ليعلن بذلك ختام حياة واحد من أشهر زعماء القارة الآسيوية والعالم في القرن العشرين. وتمكن لي كوان، ذو الجذور الصينية والمولود في عام 1923، من تحويل سنغافورة من جزيرة مليئة بالمستنقعات والبعوض إلى مركز مالي عالمي واستثماري تكتظ فيه ناطحات السحاب، وقفز فيه دخل الفرد 3 مرات، ويُعد من بين أقل حكومات العالم فسادا. واشتهرت مقولة لي كوان عن حلمه بتحويله: «سنغافورة من واحة من العالم الأول في منطقة من العالم الثالث»، وهذا ما تحقق على أرض الواقع، وألهم العديد من الدول بما فيها الصين، التي نمت وتعملقت بعد اتباعها نهجه الاقتصادي المعتمد على الرأسمالية المقيدة بالتدخل الحكومي لضبطها وتنظيمها. ولكن طريق لي كوان يو لصناعة نجاح سنغافورة، لم يكن ممهدا. وكانت مصادر الدخل الشحيحة وعدم التجانس السكاني الذي يجمع خليطا من الملاويين والصينين والهنود، وتنوع الثقافات واللغات والأديان داخل البلد الصغير، بمثابة عوائق جسيمة أدرك القائد السنغافوري صعوبة اجتيازها، منذ اليوم الأول لاستقلالها، ومن ثم انفصالها عن ماليزيا عام 1965 التي يسميها ب «لحظة الكرب». ويقول لي كوان: «في هذه الظروف الصعبة، سنغافورة أمة لم يكن يفترض أن تولد- التاريخ وقت طويل- وقد قمت بمغامرتي». ويُعرف لي كوان بعقليته العملية وشخصيته القوية الواقعية، ويقول البعض: إنه يجمع بين الخليط الساحر من الجاذبية والخوف. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في رحيله: إن سمات شخصيته انعكست على أمة بالكامل، أمة عملية، وغير عاطفية، وطموحة تتطلع للأمام. ولكن كوان جرّب الفقر وخشنت عواطفه ومشاعره في الواقع العالمي الذي لا يرحم. ووصف نفسه في واحد من كتبه ب «مقاتل الشارع» وقال: «إذا استطعت أن تنال مني وتؤذيني فافعل. ولكن لا يمكن أن تحكم مجتمعا صينيا سوى بهذه الطريقة». وأسهمت ظروف نشأته في تشكيل شخصيته الكارهة للعواطف المنفعلة الهائجة والمحبة للانضباط واتخاذ القرارات بهدوء، بعد أن تبرد المشاعر الغاضبة. وفي حواره مع الصحفي الأميركي توم بليت- الذي نشره في كتابه «حوار مع لي كوان يو»-، يصف الزعيم السنغافوري والده بالشخص الذي لم يكن قادرا على ضبط أعصابه، لذا كان يهتاج غضبا على أتفه الأسباب ويضرب الولد الصغير، الأمر الذي ترك جروحا غائرة بداخل أمه الحزينة الحكيمة الهادئة التي آمن من خلالها بقوة المرأة السنغافورية وقدرتها الفاعلة بالمشاركة في صنع مستقبل سنغافورة. ويفتخر لي كوان يو، بأن بلاده خالية من الإيديولوجيا، مثل خلو المشروبات الغازية من السكر: «إيديولوجيا سنغافورة الوحيدة- كما ذكر في حوار مع صحيفة «نيويورك تايمز»- هي الآلية الناجعة التي تعمل، سنجربها ونرى، إذا عملت سيكون ذلك جيدا، وسنستمر، وإذا لم تعمل سنتخلص منها، ونجرب غيرها».