قبل ذهابي إلى أداء واجب العزاء في وفاة صاحبة السمو الأميرة سارة بنت سعود الكبير -رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه، أخذت بالتفكر قليلاً في حال هذه الدنيا، كثيراً ما تأخذنا الأفكار تجاه من هم دائما يعملون، ولكن الأجمل حين نسرح في أفعال الراحلين وعطائهم، أخذت استعرض بعضاً من افعال الفقيدة -رحمها الله - الخاصة بي أو بغيري كنت في بيت عزائها والأفكار تخالجني وأنا أتمعن في وجوه المعزين. حين صافحت معزية أختي الفاضلة والقامة الكبيرة سارة بنت محمد بن خالد بن حشر وهي أقرب الملازمات لها وابنة خالتها جهودها تذكر فتشكر نظرت إليها فكان الحزن هالة يسكن محياها، ولكن في داخل هذا المحيا ترى علامات الرضا والسكون، فالرضا أولاً بأمر الله وقدره وثانياً بما تعلمه عن سموها -رحمها الله -من خير تحتسبه عند الله عزّ وجلّ. الحزن على الفقدان كبير ولكن الفرح أنّ الراحلة من أهل الخير والعمل الصالح، ففوق أعمالها كرّمها الله برافد من الدعاء الصالح من أبناء وبنات لم تنجبهم يدعون لها. غادرت بيت العزاء وأقول في سري رحمك الله يا ساره، فلقد حباك الله وأنت حية القدرة على عمل الخير ومساعدة الناس، وحباك الله بعد قضائه وأمره بأن جعل من ورائك هؤلاء الناس يدعون لك بما سبقك من الاعمال هي في ميزان حسناتك بإذن الله. رحلت هذه الأميرة الكريمة الفاضلة عنا بهدوء بعد ان اغدقت حبها وعطفها وخيرها على الجميع، فقد كانت رحمها الله تتحرك في كل اتجاه من اتجاهات فعل الخير. لن أتطرق لتفاصيل حياتها فهذا طوته الأيام وكما كانت لا تحب الأضواء في حياتها سأحترم رغبتها بعد رحيلها. الان حديثي سيكون عن حجم سارة بنت سعود رحمها الله. الأميرة سارة بنت سعود ماهي إلاّ سيل منهمر، ساهمت في مساعدة ودعم أوجه الخير، فللفقيدة -رحمها الله -في البذل والكرم والأعمال الخيرية بصماتها التي جعلت الكثير يرفعون أكفهم في خفايا الليالي ممن تنعّموا بعطائها واستفادوا من دعمها وممن لا يعلمهم أحد. سارة الأميرة الوالد هو الأمير/ سعود الكبير بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود والدته هي ابنة الشيخ حزام ابن حثلين العجمي الفارس الكبير، شارك مع الملك عبد العزيز في عدة معارك، سمي سعود الكبير للتمييز بينه وبين الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله حيث أن الأمير سعود الكبير كان أكبر سناً من الملك سعود. الوالدة هي الأميرة صيته بنت محمد بن سحمي بن حشر. سارة الإنسانة العمل الخيري سمة من سمات النفس البشرية وفطرة أصيلة غرسها الله في الإنسان فما بالك إذا ذكر العمل الخيري والأميرة سارة بنت سعود التي أسست وساهمت في إدخال السرور لكثير من البيوت وبدون ان تعلم شمالها ما قدمت يمينها. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة) رواه الطبراني. سيرة عطرة الكلمات تعجز عن سرد سيرة سارة العطرة والهمة التي وقفت شامخة لبذل الخير والعطاء الجزل للهياثم وأهلها، هي قامة رفيعة ومنزلة عالية وسمت واتزان، كانت سارة بحر في الجود والكرم وتقبل هموم من حولها. عاشت شمعة مضيئة بين قبيلة ال عاصم يعرف عنها -رحمها الله-محبتها في بذل الخير والجود والكرم بين جماعتها ومن سكن وجاورها، عرف عنها سماحتها ودماثة خلقها وتواضعها الجم الذي عرف عنه الصغير والكبير. أحسبها والله حسيبها عابدة لربها محافظة على دينها آية في سموها ورقيها وحيائها وحشمتها. تتفقد قرابتها ومن حولهم وتصل مريضهم وتحضر مناسباتهم بل وتدعمها كثيرا. أحبها الصغير والكبير والرجل والمرأة والعامل الخادم والسائق كانوا يدعونها (أمي سارة) وكانت رحمها الله تسأل من حولها من أهل الحاجات من الأرامل والأيتام وتبعث لهم ما تجود به نفسها من الخير ابتغاء ما عند الله، كانت رحمها الله رمز زاهداً في هذه الحياة لا تكثر من متع الدنيا و كان لها حضور كبير في حياة كثير من الناس ليس لأنها بنت سعود فحسب وإنما بمواقفها الإنسانية التي شهد بها القريب والبعيد فأهل الهياثم يذكرون لها تلك المواقف بكل فخر واعتزاز والبعيد عن الهياثم يذكرون لها نفس المواقف التي تدل على كرمها وأصالتها ونبلها، فإن غيبها الموت فإن ذكراها سوف تبقى حية في قلوبهم. أشعر بالفخر وأنا اكتب عنها وإن كنت أرى أنها الأم الأولى للهياثم بلا منازع، وهي صاحبة الحق في هذا اللقب، ليس لسبب، سوى أنها أسست العمل الاجتماعي في الهياثم دون أضواء الإعلام أو أقلام الكتاب، وجعلت لأهل الهياثم اهتمامًا خاصًّا، وجعلت جل اهتمامها منصبًّا على المتابعة لكل أعمالها بمعية رجال يقال لهم بكل فخر (ونعم). بل وكانت تكره أن يقال (هذا من سارة بنت سعود) إيمانًا منها بأن العمل لله فقط لا أبالغ إذا أكدت أن الأميرة سارة مثال نقتدي به جميعًا في تقديم الحاجة لمن يحتاجها فهي أعطت بإخلاص وتفان، لذا فهي تستحق منا كل الدعاء بأن تجد ما عملته نورا يضيء قبرها، فكم ساهمت الأميرة سارة رحمها الله في تخفيف معاناة الكثير من الأسر نفذت أعمالها ومشروعاتها الخيرية دون أي ضجة إعلامية وإعلانية لأنها لله فقط لا ترجي إلا أجره وعفوه سبحانه. كانت شديدة الحرص على حفظ أسرار الناس والعمل على حلها بكل نخوة وحمية. سارة وأهل بيتها كانت سارة بنت سعود رحمها الله تحب البساطة في كل الأمور، ولا تجنح أبداً للمبالغة في الشيء، كانت بحق مثالاً طيباً للأميرة الرحيمة بكل معاني الكلمة في حبها للناس جميعاً، جمعت بين المحبة والحزم حتى مع الخدم والحاشية وكل من يعمل في بيتها، وبصورة تلقائية وكانت دائماً ترتسم نهجاً ومنهجاً واضحاً في اهل بيتها وبخطى ثابتة وطريقة واضحة، وكان لها أسلوب خاص في التوجيه والمعاملة والمحاسبة حتى زرعت في نفوسهم مخافة الله والإيمان والتمسك بالدين الحنيف وتعاليمه السمحة، وكانت تتفقدهم وتسأل عن أسباب غياب أحدهم. أتذكر هنا طيب حديثها -رحمها الله-عندما أزورها ويبهرني تعاملها مع من حولها، كانت تسأل عن التعليم والعمل وتشعرني بالفخر. أشعر بمدى الفراغ الذي تركته هذه الأميرة السيدة الفاضلة في نفوس من ورائها. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته. ** ** ** قدوة يحتذى بها: - حين تهتمي بالقيم الدينية الدقيقة وأنتِ تملكين مغريات المادة والحياة التي يصعب تجاهلها فأنت سارة. - حين تعطين التقدير والاحترام والرحمة بغض النظر عن الشكل والمظهر فأنت سارة. - حين تحافظين على تقاليدك ونبض تاريخك وعراقة الماضي والثقة بها فأنت سارة. - حين تكوني مهتمة بعلاقتك الاجتماعية ومخالطة الناس مهما كانت طبقاتهم ولديك عملك مع الله فانت سارة. - أن يفرح من يعرفك ومن حولك بأنه يعرفك حق المعرفة ويفخر بك فأنت سارة. - حين يفكر الناس بالدنيا وأنتِ تتطلعين لرضى الله والعمل للآخرة فأنت سارة. - حين تعملين وتتصدقين وتنفقين بصمت والناس تعلم بأفعالك الغنية الخفية لكن تكرهين أن تذكرها فأنت سارة. ..... - د. دليل بنت مطلق بن شافي القحطاني