ما الذي حدث لتنظيم القاعدة الإرهابي؟ فمنذ عقد ونصف العقد نفذ التنظيم أكبر عملية إرهابية في العالم على الأراضي الأمريكية وهي هجمات 11 سبتمبر 2001. ولكن هذه الأيام، لا يكاد التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن يذكر في وسائل الإعلام. وبدلاً منه جاء التنظيم الذي خرج من عباءة القاعدة في العراق والذي أصبح يُعرف باسم تنظيم داعش ليفرض وجوده على المشهدين السياسي والإعلامي الدوليين. وقد تجسد الحضور القوي لهذا التنظيم الإرهايي في أكثر أيام العراق دموية في العام الحالي عندما نفذ سلسلة تفجيرات في العاصمة العراقيةبغداد مؤخراً أسفرت عن مقتل 93 شخصاً على الأقل. خلال العامين الماضيين تمدد تنظيم داعش بقوة وسرعة في العراقوسوريا، وأدت دموية التنظيم غير المسبوقة وقدرته على استقطاب الشباب الساخط إلى جعل هذا التنظيم العدو رقم واحد لشعوب العالم. ورغم النجاحات التي حققها التحالف الدولي العسكري الموسع ضد داعش، فإن التنظيم ما زال في هذه اللحظة خصماً قوياً وراسخاً. ولكن الأيام الأخيرة ذكّرتنا وفي توقيت مناسب تماماً أن الأب الروحي لتنظيم داعش وهو تنظيم القاعدة ما زال حياً وقادراً على الضرب. وكما ذكر تشارلز ليستر المحلِّل والخبير في معهد دراسات الشرق الأوسط في مقال بمجلة «فورين بوليسي» فإن تنظيم القاعدة يتجه نحو إقامة نموذج دولة في شمال سوريا وهي المنطقة التي استطاعت جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة الاستيلاء عليها في ظل الحرب الأهلية التي تضرب سوريا منذ خمس سنوات. هذا الكشف الذي أشار إليه ليستر يبدو مهماً لثلاثة أسباب هي: أولاً: يمارس تنظيم القاعدة لعبة طويلة المدى. فإستراتيجية «الأرض المحروقة» والأساليب الدموية التي يتبناها تنظيم داعش واتجاه الاهتمام الدولي نحو هذا التنظيم، أتاحت للقاعدة الفرصة التي كان يحتاجها بشدة لالتقاط الأنفاس. وقد استغل تنظيم القاعدة هذه الفرصة الزمنية وأطلق حملة مكثفة لإعادة رسم صورته الذهنية ونجح في تقديم نفسه باعتباره بديلاً أكثر عقلانية من تنظيم داعش!! هذه الرسالة تنتشر وتتردد في مناطق عديدة مع التقدم الذي تحققه جبهة النصر في شمال سوريا. ثانياً: تحول إستراتيجية القاعدة، حيث يقول ليستر إن «داعش والقاعدة يستخدمان أساليب مختلفة في سوريا»، لكن هدفهما النهائي واحد وهو إقامة «إمارة « في المنطقة. ولكن هذا ليس هو الواقع دائماً. فقبل ظهور داعش كانت أيديولوجيا تنظيم القاعدة تتحدث من حيث المبدأ عن إقامة «الخلافة» لكنه كان يتحاشى السيطرة على الأرض لكي يمارس عليها أيديولوجيته، بل كان يحذّر الحركات الأخرى بعدم الانغماس في الممارسات اليومية لبناء الدولة. ولكن منذ إعلان تنظيم داعش قيام «الخلافة» في يونيو 2014 بدا أن تنظيم القاعدة قرّر تغيير موقفه تجاه هذه القضية والسعي نحو هدف مماثل وهو إقامة كيان له على الأراض يطبق من خلاله أفكاره بشأن هذه «الخلافة» المزعومة. ثالثاً: ما زال تنظيم القاعدة يجذب أعداداً من المقاتلين، ونجاح جبهة النصرة في سوريا تحقق بصورة كبيرة بفضل تدفق المنضمين الجدد إلى التنظيم. وهذا يشير إلى أن إدراكنا لظاهرة «المقاتلين الأجانب» في صفوف التنظيمات المتطرفة كان غير كاف بصورة مؤسفة. ووفقاً لتقديرات أجهزة المخابرات الأمريكية ومخابرات الدول الحليفة، فإنه يوجد حوالي 27 ألف مقاتل أجنبي في صفوف الجماعات المسلحة في العراقوسوريا. ولكن تحليل ظاهرة المقاتلين الأجانب يميل إلى التركيز على تتبع هؤلاء المقاتلين ومعرفة بلادهم الأصلية. وكان الاهتمام بالتنظيمات التي يلتحق بها المقاتلون الأجانب بمجرد وصولهم إلى سوريا أقل. وكان التصور أن تنظيم داعش هو المستفيد الأكبر من ظاهرة المقاتلين الأجانب، لكن مع تمدد جبهة النصرة اتضح أن داعش لم يكن المستفيد الوحيد من الظاهرة. أخيراً يمكن القول إن تنظيم القاعدة وجد في مأساة سوريا فرصة جيدة للعودة من جديد إلى الأضواء. وإذا كان تنظيم القاعدة قد تضرر في البداية من صعود تنظيم داعش، فإن التحركات الأخيرة في سوريا، أشارت إلى أنه حصل على الوقت والفرصة لكي يعيد تجميع صفوفه وبناء نفسه ليفرض نفسه على المشهد من جديد. إيلان بيرما - نائب رئيس المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية