شق النزاع في سوريا صفوف المجموعات الجهادية وحولها الى تنظيمات متقاتلة في هذا البلد بعدما ظلت متماسكة لسنوات تحت راية القاعدة رغم المنافسة والخلافات في التطلعات والفكر الايديولوجي التي لطالما طبعت علاقاتها مع بعضها البعض. وبعدما كان ينظر إلى تعليمات قادة القاعدة خلال حقبة أسامة بن لادن على أنها أسمى من أن تتعرض حتى للتساؤل، فإن سهام هذا الاقتتال أصابت اليوم أيمن الظواهري الذي بات عرضة لهجمات غير مسبوقة على المنابر الجهادية تشكك في قيادته وتعليماته. الانحراف وبلغت هذه الهجمات حد اتهام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إحدى أقوى الجماعات الجهادية المسلحة في سورياوالعراق، لقيادة القاعدة بالانحراف عن المنهج الجهادي، معتبرًا أنها لم تعد تمثل قاعدة الجهاد العالمي. وقال المتحدث باسم التنظيم المعروف اختصارا باسم «داعش» أبو محمد العدناني في تسجيل صوتي نشر على منابر جهادية الجمعة «لقد انحرفت قيادة تنظيم القاعدة عن منهج الصواب. إن القاعدة اليوم لم تعد قاعدة الجهاد، بل باتت قيادتها معولًا لهدم مشروع الدولة الاسلامية والخلافة». وسرعان ما نشر تنظيم القاعدة لقاء صوتيًا للظواهري اتهم فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» بعدم الالتزام «بأصول العمل الجماعي»، و«إعلان دول دون استئذان»، من دون أن يتضح ما إذا كان هذا اللقاء قد سجل بعد كلمة العدناني أو قبلها. وبينما دعا الظواهري المقاتلين في سوريا إلى وقف "الفتنة التي تعصف بأرواح آلاف من المجاهدين»، قال ردًا على سؤال حول ما إذا كان قد غير منهجه بعدما كان يعتبر أحد «صقور» التنظيم: «لا أتصور أنني قد غيرت توجهي». مواجهات داخلية ويخوض تنظيم «داعش» منذ مطلع يناير معارك عنيفة مع تشكيلات أخرى من المعارضة السورية المسلحة على رأسها «جبهة النصرة»، الفرع السوري لتنظيم القاعدة. واندلعت هذه المواجهات التي قتل فيها نحو أربعة آلاف شخص بعد اتهامات واسعة وجهت إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تأسس في العراق وبرز في سوريا كفصيل مقاتل ضد النظام في ربيع 2013 بأنه «من صنع النظام» السوري ويقوم ب«تنفيذ مآربه»، وكذلك بالتشدد في تطبيق الشريعة. ويقول الباحث المتخصص في شؤون التنظيمات الجهادية في الشرق الاوسط في مركز «بروكينغز الدوحة» تشارلز ليستر: إن «الصراع في سوريا قدم فرصة كبيرة للجماعات الجهادية. ومع ولادة هذه الفرصة، ولدت احتمالات الانقسام». ويضيف «كل الجماعات الجهادية في الشرق الاوسط تدعم قضية الاطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن رغم ذلك تنقسم هذه الحركات في ما بينها بسبب المنافسة والاقتتال على تمثيل الحركة الجهادية في سوريا وعلى الصعيد الدولي». النقطة المفصلية وبدأت الانعطافة المحورية في علاقة التنظيمات الجهادية مع بعضها في سوريا حين تنصلت «النصرة» من إعلان «داعش» دمج التنظيمين تحت راية القاعدة الواحدة. وأصبحت «جبهة النصرة» التي ولدت بعد أشهر من بداية النزاع السوري تصف في بياناتها «الدولة الاسلامية» بأنها «جماعة باغية"، بينما يرى أنصار «الدولة» أن «النصرة» عبارة عن «صحوات خائنة»، في إشارة إلى السنة الذين يقاتلون الجهاديين في العراق. وأصابت سهام الخلاف الذي استقطب آلاف التعليقات المتناقضة على المنابر الجهادية على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، من اليمن الى الاردن ولبنان، وصولا إلى باكستان وأفغانستان ودول أخرى، قيادة تنظيم القاعدة وعلى رأسها الظواهري الذي لم يكن أحد من مناصري التنظيمات الجهادية ليجرؤ في السابق على المساس به أو بموقعه. وانصب غضب المغردين والكتاب والمناصرين على الظواهري خصوصًا بعد إعلان القيادة العامة لتنظيم القاعدة تبرؤها من «داعش» في فبراير ودعوتها إياها إلى الانسحاب من سوريا. وكتب «مناصر المؤمنين» المؤيد لتنظيم «داعش» في حسابه على موقع «تويتر» الخميس «لقد سقط الظواهري، فلن نستمع له بعدها أبدًا. فإلى مزبلة التاريخ يا تنظيم القاعدة»، بينما شن آخرون هجمات أكثر شراسة بحق الظواهري واصفين إياه ب«العجوز» و«أمير الخوارج». ورغم أن الاقتتال في سوريا طعن بشكل غير مسبوق في قيادة القاعدة ورايتها الجامعة، واتخذ منحنى اكثر دموية، إلا أن هذا الاقتتال لا يشكل حالة فريدة، حيث إن التنظيمات الجهادية غالبًا ما تنافست، ولا تزال تتنافس في ما بينها في مناطق أخرى بعيدة، وقريبة تدور في فلك العمل الجهادي، بحسب ما يقول محللون. ويشير هؤلاء الى عمليات الاغتيال المتبادلة بين التنظيمات الجهادية وداخلها في الصومال، والاشتباكات في جنوب الفيليبين بين جماعة أبو سياف وجبهة تحرير مورو الإسلامية، والخلافات بين المجموعات المرتبطة بحركة طالبان في باكستان وأفغانستان. تناقض الأفكار ويقول الان فريزر المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في مجموعة «اي كي ايه» الاستشارية الامنية البريطانية: إن «المجموعات الجهادية كانت دومًا عرضة للانقسام والقتال الداخلي، إذ ان على المحك ما هو أكثر من مجرد مسائل أيديولوجية. سوريا أبرزت ببساطة مدى تناقض أفكار هذه الجماعات، براغماتيا وأيديولوجيا». ويضيف إن «فكرة وجود أيديولوجيا توحد كل الجماعات الجهادية تحت رايتها، أمر مبالغ به. لطالما كانت هناك توترات بين وداخل هذه المجموعات حيال مدى تطرفها والحد الذي يمكن ان تذهب اليه لتمويل نفسها وفرض معتقداتها على السكان المحليين». ويرى فريزر أن «الانقسامات العديدة التي حدثت داخل وبين الجماعات الاسلامية في الجزائر أثناء وعقب الحرب الأهلية مثال ممتاز على ذلك»، في إشارة إلى الانشقاقات والخلافات بين الجماعات الاسلامية إلى خاضت صراعًا مسلحًا مع السلطة العسكرية الجزائرية لنحو عشر سنوات. ويتابع «حتى داخل تنظيم القاعدة، هناك اختلافات داخلية جذرية». ولعبت المعارك بين التنظيمات الجهادية في سوريا دورًا في تعزيز موقع الجيش النظامي الذي حقق في الاشهر الاخيرة سلسلة انتصارات في مقابل توالي مؤشرات الانهاك في صفوف مقاتلي المعارضة. وتقول لينا خطيب مديرة مركز «كارنيغي» في بيروت إن المواجهات بين التنظيمات الجهادية شغلت «بعض الجماعات عن محاربة نظام الأسد». وتضيف إن النظام السوري «يستفيد من القتال الداخلي بين الجماعات الجهادية، حيث إنها باتت تقوم بذلك (القتال) نيابة عنه».