أثار إعلان تنظيم "داعش" قيامَ الدولة الإسلامية وتنصيبَ البغدادي خليفةً لها، العديدَ من الآراء المتباينة ما بين الاهتمام بالحدث وتأثيراته وما يشكِّله من تحول جذري في المشهد "الجهادي" منذ هجمات11 سبتمبر، وبين آخرين يقللون من أهمية الأمر ويؤكدون أن البغدادي لا يملك القوة والقدرة والمصداقية على إقامة دولة وتنصيب نفسه خليفةً لها. ومنذ الإعلان عن اسم "خليفة المسلمين" المزعوم، تررد اسمه أكثر من أي شيء آخر في الأوساط العربية والإسلامية وربما الأجنبية؛ لما لذلك من تأثير على العديد من البلدان الأجنبية، ولكن تظل المعلومات الموثقة غائبة عن خليفة المسلمين كما يزعمون. وبحسب ما أعلن تنظيم "داعش" على لسان الناطق الرسمي باسم التنظيم الإرهابي، أبومحمد العدناني الشامي، فإن خليفة المسلمين يُدعى عبدالله إبراهيم الملقَّب ب"أبوبكر البغدادي"، ومن الكُنية يُستخلص أن أمير داعش السابق ينسب نفسه إلى الخليفة أبي بكر وإلى العاصمة العراقيةبغداد. وترجع أصوله إلى منطقة ديالى شرق العراق، وهو أحد أفراد عائلة تنتمي إلى عشيرة السامرائي. تابع تحصيله العلمي في "الجامعة الإسلامية" في بغداد، وتتلمذ على يدي الأردني "أبي مصعب الزرقاوي" في العراق. ورغم تناقل معلومات توحي بأنه قاتل تحت راية الزرقاوي، كما تولى قيادة "الدولة الإسلامية في العراق" عام 2010، ذلك التنظيم "الجهادي" الذي انبثق من رحم "القاعدة في بلاد ما بين النهرين" التي كان يرأسها "الزرقاوي" قبل مقتله، فإنه لم تظهر صورته وتتضح ملامحه للعلن إلا بداية العام 2014، حين نشرت السلطات العراقية صورة له. كشقت صحف أجنبية أن "أبابكر البغدادي" كان معتقلًا في قاعدة أميركية بالعراق لمدة أربع سنوات، وأنه قال لسجَّانيه لحظة وداعهم وإطلاق سراحه في العام 2009: "أراكم في نيويورك". وهو لم يكن محتجزًا في المجمع رقم (14) الذي كان مخصصًا للمعتقلين الأكثر تطرفًا والأكثر خطورة، بحسب المعلومات. بل كان واحدًا من بين 26 ألف سجين يقبعون في مخيم اعتقال "بوكا". تشكَّلت نواة تنظيم "داعش" أو الدولة الإسلامية في العراق والشام الأولى عبر دولة العراق الإسلامية التي تم إعلانُ تأسيسها في 15 أكتوبر سنة 2006، ثم سقطت عام 2007 وعادت بقوةٍ في العامين الأخيرين 2013 و2014. أما ولاية داعش السورية فقد تم إعلانُ تأسيسها في 10 أبريل سنة 2012، بعد يوم واحد من استتباع فرع القاعدة في العراق على لسان أميره "أبي بكر البغدادي" لجبهة النصرة بقيادة "أبي محمد الجولاني"، ولكن الأخير لم يقبل، فحدث انقسام لتضمَّ النصرة غالبيةَ السوريين المقاتلين معها، وينشقَّ عنها 70% من عناصرها مؤسسين داعش بقيادة مباشرة من أبي بكر البغدادي الذي تولى قيادة التنظيم في أبريل سنة 2010، ويقدَّر المنشقون المؤسسون لداعش بحوالي 12 ألف عنصر مقاتل تقريبًا في سوريا. عام 2010 أكد "أبوبكر البغدادي" ولاءه لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وأعلن بيعته له، كما استعاد نشاط القاعدة بقوة، واستطاع تنفيذ استراتيجية ثانية في القضاء على الصحوات وتنشيط العمليات والتمدد في سوريا. وفي 12 مايو الماضي 2014 قطعت داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام علاقتها مع القاعدة، بل طالبت تنظيم القاعدة وأميرها الظواهري ببيعتها كإمارة ودولة. وتوالت انتقادات قيادات القاعدة لتنظيم الدولة بعد مقتل "أبي خالد السوري" أواخر فبراير سنة 2014، الذي اتهمت فيه داعش، رغم تبرئها منه، واتسعت الهوة بينها وبين القيادة المركزية للقاعدة، وصار تنظيم داعش العنيف قويًّان وها هو اليوم يعلن إقامة دولة لم تنجح القاعدة في إقامتها. يبقى أن إعلان الخلافة شكَّل محطةً مهمةً بالنسبة لمسيرة هذا التنظيم الإرهابي. وفي هذا السياق، رأى تشارلز ليستر، المحاضر الزائر في مركز "بروكينجز" في الدوحة، أن إعلان الخلافة له أهمية كبيرة. وأضاف أن "وقع هذا الإعلان سيكون عالميًّا؛ لأن الجماعات التابعة للقاعدة والجماعات الجهادية المستقلة سيتعين عليها الآن أن تختار بين تأييد الدولة الإسلامية والانضمام إليها أو معارضتها". في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبدالخالق عبدالله، إن الأمر قد يبدو جيدًا لبعض الدوائر التي دائمًا ما حلُمت بإقامة مثل هذه الدولة الإسلامية، لكن الجميع يعرف أن البغدادي والدولة الاسلامية في العراق والشام ليسوا من النوع الذي قد يعيد الدولة الإسلامية. وأضاف أن البغدادي لا يملك مثقال ذرة من المصداقية أو المؤهلات،لكنه أكد أنه "أيًّا كانت الأحكام التي ستصدر فيما يتعلق بشرعية الجماعة، فإن الإعلان عن العودة للخلافة ربما يكون أهم تطور في الجهاد العالمي منذ11 سبتمبر". من جهة أخرى ..نظم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، عرضًا عسكريًا لأسلحته وآلياته التي أحضرها من العراق، في مدينة الرقة التي يسيطر عليها التنظيم بسوريا. بث ناشطون على شبكة الإنترنت، صورًا لرتل كبير يتألف من دبابات ومصفحات وعربات أمريكية الصنع، تعود للجيش العراقي بعد أن استولى عليها التنظيم ونقلها إلى الأراضي السورية، وكان اللافت وجود صاروخ يشبه من حيث الحجم والشكل صواريخ "سكود" روسية الصنع. وضم الرتل، دبابات ومصفحات وشاحنات عسكرية ومدافع ثقيلة، إضافة إلى عدد من الرشاشات بعيارات مختلفة، وعربات من نوع "همر" أمريكية الصنع، ودخل الرتل من جسر الرشيد في مدينة الرقة وتجول في شوارع المدينة.