لا يرجع الزمن للوراء على الرغم من أن الوقت وهو يمضي، فيه تتوالى ثوانيه، بأعوامه غير ملموسٍ، ولا مرئيٍ لكنه مقدَّرٌ ما شاء علم الحساب أن يفعل بمدارك عقل الإنسان..! وكما يفعل الزمن بأخذه للإنسان في طياته، تفعل نواميس الوجود، وحقائق الحياة به،... الإنسان وحده حين يفرح يضحك، وأحياناً حدَّ السذاجة، وحين يبكي يُحزِن وغالباً حدَّ الإشفاق..! هذا الإنسان يطغى عليه خليطُه المكنون داخله، .. مِن كلِّ ما أعطاه الوقت وهو على رصيفه سائلاً، متسولاً، راغباً، لاهثاً نحو ما يفرحه، ما يشبعه، ما يسعده، ما يثريه، ما يميزه، ما يُظهره، ما، وما... وكل «ما» تعطيه، تمنحه، ولا تأخذ منه..!! يكبر الزمن، وهو مشغول عنه بفراغ، يأكل الوقت وهو شغوف في دوامة ما يأخذ،..! يشرب الدقائق، والأيام وهو في سطوة الجري، دونما انتباه لهذا الخبير الذي لا يتأنى حدَّ أذنيه ليصغي، ولا حدَّ عينيه ليرى، ولا حدَّ عقله ليتفحص، فتذهب عنه قوافله بكل البضاعة .. وحين يوهن عن الركض، وتضمحل عينه عن النظر، وتخور قواه عن السبق، يأوي لركن من هذا الطريق، ليجد أن الزمن الذي لم يقسه، لم يأبه به، لم يصغِ لحكمته، لم يأخذ من معينه، لم يلق بالاً لمناجمه، مرَّ به.. مرَّ به، لا مقياس لديه كان يوازي هذا الزمن، فالزمن لا كيان ملموس له، ولا جسد محسوس له، ولا ظلَّ، ولا رائحة، لا دفء، ولا برودة، ولا صوت، ولا همهمة..! مع أنه كيان شفيف حاد، قويٌ هالك، ينسرب دون أن يُرى، ينطوي دون أن يُحمل، يحيا إن أحياه المرء ذاته، ويموت بتواليه دون أن يكون في قدرة السادر فيه أن يغسله، ويكفِّنه، ويدفنه.. الزمن يمضي لكنه لا يموت..! الإنسان وحده فيه رقمٌ ضمن الأرقام فيه.. يعبر من ههنا، ثم يذهب.. لكن العبور يختلف باختلاف قدرة المرء لأن يتعرف الزمن فيتعامل معه وفق خصائصه.. فلا يمر به مرور رقم كان في العدِّ ثم سقط..!! فكيف يكون العبور، وما قيمة الرقم..!!؟