بعد ثلاثين عامًا من البحث والمنافسة والمجاهدة والحضور والحفر والتنقيب في صلب المنافسة وكل طرق المحاولة، حقق النادي الأهلي لقبه الكروي الثالث في الدوري، وأصبح بطل دوري عبداللطيف جميل. كانت الفرحة كبيرة وعارمة، (تتجاوز) الإنجاز الذي تحقق، وهو ليس الأول للنادي الكبير المشهور بحضوره الطاغي في المشهد الرياضي؛ ففريقه الكروي لم يغب عن حصد الألقاب والحصول على البطولات طوال الثلاثين عامًا، وهو الكيان الذي يعد (نموذجًا) للنادي الرياضي الذي يحتضن كل الألعاب، وتزدهر فيه كل أنشطة الشباب في القاعات والميادين والصالات، ويصعد نجومه وفرقه منصات التتويج لعبة وراء لعبة، وموسمًا بعد موسم، فرادى وجماعات. الفرحة الكبيرة العارمة كانت منطقية جدًّا ومبررة، ولا شك؛ فالبطولة أصبحت بعد سنوات من التمني والمحاولة والاقتراب (حلمًا تحقق) للفريق الذي ظل طوال الثلاثين عامًا بفضل رجاله ووفاء قياداته وجهد لاعبيه وصبر جماهيره لا يكتفي بحضوره القوي، بل كان ينقب في الملاعب، ويحضر في المنافسة، ويجاهد، ويزداد إصرارًا ورغبة وتماسكًا وجهدًا بحثًا عن (لؤلؤة) يوصل بها الماضي المجيد بالحاضر الزاهي؛ ليكمل (عقده الفريد) الذي بات يزين صدر كل منتم إليه. أزعم أن كل رياضي (حقيقي) يحب ناديه ينتظر منه الألقاب، ويتمنى له تحقيق البطولات، ويتلذذ بالمنافسة الشريفة والممتعة، لن يغضبه فوز الأهلي ببطولة الدوري هذا الموسم لاعتبارات كثيرة، لعل آكدها أن البطولة ذهبت للفريق (الأقوى) والأفضل والأكمل والأجمل والأكثر اجتهادًا وعطاء وبذلاً لمتطلباتها، وهو الأغلى دفعًا لثمنها الكبير ومهرها الغالي. وعندما لا يحقق فريقك المفضل البطولة التي تنتظرها وتتمناها فإن من الروح الرياضية والفروسية الحقة أن تتمناها للفريق الأقوى؛ فذلك لا يشعرك بالحسرة والألم، وإنما بالتقصير والندم على عدم البذل والعمل. وعندما يأتي التحقيق بعد السنوات الطويلة جدًّا فمؤكد أنك ستتذكر القاعدة (الحياتية) العامة والمثل الرياضي المشهور (من جد وجد ومن زرع حصد). أقولها من جديد للنادي الأهلي، قيادة وإدارة ولاعبين وجماهير: ألف ألف مبروك الفوز الكبير والتتويج المستحق واللقب المنتظر.. وحقًا، من سار على الدرب وصل. كلام مشفر . فاز الأقوى بالدوري بعد منافسة وملاحقة قوية (راس براس) من الهلال وبشراسة. ولعل من مصلحة الكرة السعودية أن تذهب بطولة الدوري للفريق الأقوى والأكثر اكتمالاً ورغبة ودوافع ذاتية عامة وكاملة. . الفرحة بفوز الفريق الأقوى بالدوري مشروطة بأن يكون لدى جماهيره ولاعبيه، وقبل ذلك مسيريه، طموحٌ أكبر، ورغبة أقوى، وتطلع أعمق لتحقيق إنجازات أهم وأكبر من (اللقب المحلي) مهما كان طعمه وغلا ثمنه. . واقع الأهلي اليوم وما يعيشه من رؤية وفكر والتقاء وأهداف يفتح أمامه سنوات من الحضور الطاغي والاستمرارية والسيطرة المطلقة، خاصة مع الاستقرار الكبير والتجانس الواضح الذي يعيشه مع كل أدواته. . والأهم والأخطر على منافسيه جميعًا (الملاءة) المالية الكبيرة التي تجعله قادرًا على الحفاظ على لاعبيه، واختيار محترفيه الأجانب من الأفضل، وتغييرهم عند عدم الكفاءة والقناعة؛ والدليل على هذا الكلام أنه الوحيد من بين الكبار الذي لم يطلب ولم يفكر في (اقتراض) سلفة من البنوك، يسوي بها أمرًا في فريقه أيًّا كان. . فاتت أجيال أهلاوية أن يحقق فريقها بطولة الدوري بمباركة من (التكنولوجيا) الحديثة. وهي أمور تقنية، تتغير وتزداد، لكن سيطرته قد تأتي معها مخترعات جديدة من التقنية، لن تشهدها جماهير فرق منافسة، لكن في إنجازه ما لم تأتِ به التقنية القادمة؛ ذلك أنه أول فريق يتوج بدوري في (الجوهرة المشعة). ألم أقل إنها بطولة (العقد الفريد)؟! . يقول بعض الهلاليين عن مدرب فريقهم (متدرب)، وكنت أعتبر ذلك من المبالغة في الوصف والرفض، غير أن أخطاء بدائية ارتكبها في النهائي لا يمكن أن يرتكبها إلا متدرب بالفعل. . أبسطها عندما أُصيب مهاجمه (ألميدا)؛ فسارع إلى إخراجه، وكان عليه أن يطلب منه البقاء واقفًا بين المدافعين، وقد بقيت دقيقة واحدة، ويأتي تغييره بين الشوطين؛ فيكون أعطى لنفسه وقتًا كافيًا لإقرار البديل، وقد يكون الاختيار أكثر دقة. والأهم من ذلك أنه سيفاجئ مدرب الأهلي باللاعب الذي سيشركه. فعلاً متدرب، والهلال أكبر منه.