من التوثيق التاريخي أن أشير إلى أول زيارة غير رسمية وغير معلنة قام بها الملك عبد العزيز إلى مصر في يوم الخميس 2 ربيع الأول 1364ه 15 فبراير 1945م حينما تم التنسيق لمقابلة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على الطراد (كونيري) في البحيرات المرة بقناة السويس وهو عائد من مؤتمر مالطة، ولمقابلة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في بلدة الفيوم 16 فبراير 1945م بفندق «الأوبرج» على بحيرة قارون، وقد كان عدم الإعلان عن تلك الزيارة استجابة لرغبة روزفلت؛ خوفا من أن يتعرض لقصف الطائرات الألمانية؛ إذ كانت الحرب العالمية الثانية لا زالت مستعرة آنذاك، حتى إنه لم يكن يرغب أن يعلم تشرشل أيضا عن ذلك اللقاء، فالتقى الملك عبد العزيز بكل منهما في مكانين مختلفين، ودار بحث طويل معهما في القضية الفلسطينية، وفي تمتين العلاقة بين أمريكا وبريطانيا والمملكة، وفي يوم السبت 4 ربيع الأول 1364ه 16 فبراير 1964م التقى الملك عبد العزيز بفندق «الأوبرج» على بحيرة قارون بالملك فاروق والرئيس شكري القوتلي الذي كان حينها في زيارة لمصر، والتقى برئيس الوزراء البريطاني تشرشل ووزير خارجيته أنطوني إيدن. أما الزيارة الرسمية فقد كانت بعد ذلك بعام تقريبا؛ يوم الخميس 7 صفر 1365ه 6 يناير 1946م رداً على زيارة الملك فاروق للمملكة في السنة التي قبلها 1945م. وأراد الملك عبد العزيز -رحمه الله- أن يؤسس لعلاقة إستراتيجية متينة وغير عادية؛ لإدراكه العميق وبوعيه الثاقب ما تمثله مصر من ثقل فكري وثقافي وسياسي واقتصادي، وما تخزنه من مشاعر دينية فياضة نحو الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة، وما يربط بين الشعبين من صلات محبة؛ ولذلك لم تكن زيارة الملك المؤسس خاطفة أو سريعة؛ بل مكث في مصر اثني عشر يوما، واصطحب معه أبناءه وجمعاً كبيراً من مستشاريه وحاشيته، واستقبل من الملك فاروق وعلماء الدين ورجال السياسة والأدب والشعب المصري استقبالا حافلا، وعاشت المدن المصرية طوال مدة الزيارة الملكية أياما كرنفالية احتفائية غير عادية. وفي وسع من أراد التوسع عن تفاصيل الزيارتين العودة إلى ما كتبه خير الدين الزكلي. ولكن تلك العلاقة أيضا تتأثر بتغير القيادات السياسية في مصر؛ فبعد ثورة 23 يوليو 1952م التي قام بها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر وزعامة محمد نجيب شكليا وما صحب ذلك من انقلاب كامل على النهج الملكي السابق تغيرت العلاقة القديمة وأصبحت عرضة للتوتر حسب إيقاع الخطاب الناصري الثوري. ولكن العلاقة التاريخية بين المملكة العربية السعودية ومصر -رغم ذلك- تمثل نموذجاً للصلة الروحية والأخوية العميقة بين الشعبين السعودي والمصري، وبين معظم القيادات السياسية ورجال الفكر والأدب بغض النظر عن تذبذب حرارة التواصل أو برودته بسبب تقاطع الرؤى -أحيانا- في بعض المواقف السياسية العارضة؛ كما حدث بعد تدخل جمال عبد الناصر في اليمن، ومحاولات إقلاق الأمن في المملكة بزرع الخلايا القومية، ونحو ذلك، مما كان له أكبر الأثر في توتير العلاقة بين الملك فيصل والرئيس جمال -رحمهما الله-؛ لاختلاف منهجي القائدين، وما اتسم به الخطاب الناصري القومي من اندفاع غير محسوب الخطوات؛ مما ترتب عليه تكالب المعسكر الغربي والكيان الصهيوني واتفاقهما على ضرورة تدمير القوات المصرية كما حدث في العدوان الثلاثي على بور سعيد 1956م وقوة مصر قوة عربية ليست لمصر وحدها؛ بل للعرب جميعا، ثم حدثت نكبة 1967م الجرح العميق الذي أدمى كل عربي ومسلم. الحق أن الفترة الناصرية كانت أشد حالات الافتراق بين الخطابين؛ السعودي القائم على العقلانية والتأني وعدم التدخل في الدول الأخرى والمتكئ على البعدين العربي والإسلامي، والخطاب الناصري المندفع والمواجه بدون تقدير واقعي لحسابات المواجهة للمعسكر الغربي وإسرائيل والقائم أيضا على البعد القومي الضيق دون نظر إلى المحيط الإسلامي الواسع. ثم مرت العلاقة المصرية بالعرب جميعا بفترة ركود شديد استمرت عشر سنوات تقريبا بعد زيارة أنور السادات لإسرائيل وتطبيع العلاقات بينهما بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام في 17 سبتمبر 1978م. ولكن المملكة كانت المبادرة إلى إعادة العلاقات إلى أقوى مما كانت عليه بعد زيارة الأمير عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- لمصر عام 1409ه 1989م حينما كان وليا للعهد، ثم زيارة الملك فهد -رحمه الله- عام 1410ه وقد كان لي شرف المرافقة للزيارتين الكريمتين ضمن الوفد الإعلامي الرسمي وتغطية وقائعهما وما دار فيها من أحاديث وما أثمرت عنه من عودة مصر عودة كاملة للحضن العربي وعودة جامعة الدول العربية من تونس إلى القاهرة. يتبع..............