هل سألت نفسك يوماً لماذا لم نستطيع أن نقوم ببناء مدينة حضارية من الدرجة الأولى.. مدينة كلندن مثلاً؟ أو طوكيو؟ أو نيويورك! بلد من أصحاب مسميّات «العالم الأول» الذي صنّفنا نحن باسم سكّان «العالم الثالث» أو العالم النامي، ببساطة لأنك لا تستطيع أن تستورد حضارة الغير بطريقة انسخ والصق , بدون أن تقوم بتنمية الفكر للإنسان الذي سيصنع هذه الحضارة , فتقدم أي بلد مرهون بتقدم الناحية الفكرية والثقافية والاقتصادية، تحتاج لأن تنمّي الإنسان فكرياً واجتماعياً وثقافياً،لإزالة التخلف والقضاء على الفقر لأكبر عدد ممكن من المواطنين.. في القطاعات والمشاريع والمجالات كافة التي تلبي الحاجات الأساسية عن طريق الخطط الذكية.. والمفتاح أولاً وأخيراً هو: التعليم.. والذهنية التنموية في الحقيقة لن تعثر على مفكّر من العالم الثالث قد حصل على جائزة نوبل في التنمية، إن اغلب التنمويين لدينا طلاّب لأساتذة من العالم الأول، ولذلك وقعت التنمية ضحيّة الغزو الثقافي الغربي وأقصى الشرقي كالصين واليابان وماليزيا.. إن التنمية في حدّ ذاتها وسيلة وليست غاية، هي وسيلة نحو الارتفاع بمستوى الإنسان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحي أيضا،ومادام هذا هو هدف التنمية الحقيقية، فكل ما يؤدي إلى الإضرار بالإنسان جسداً أو روحاً لابد أن يكون عملاً معادياً للتنمية ,حتى لو ارتكب باسمها، لقد قرأت من سنيين كتاب للرائع غازي القصيبي رحمة الله «التنمية.. الأسئلة الكبرى» أظنه يستحق لقب «كتيّب» من 126 صفحة من الحجم الصغير، لكنه غيّر مفهومي جذرياً عن التنمية واستطعت استيعاب المحتوى رغم صغر سنيّ حينها، بأسلوب مبسّط سهل استطاع د.غازي رحمة الله , أن يخاطب في كتابة المواطن العادي وليس النخبة الاقتصادية، أهم استنتاج أوردة القصيبي رحمة الله حينما استنتج ما يلي «يمكنني الآن أن أترك القارئ مع التوصية النهائية التي توصلت إليها بعد قرن من معايشة التنمية -نظرياً وواقعاً-، وهذه التوصية النهائية هي: أن الطريق إلى التنمية يمر أولا بالتعليم، وثانياً بالتعليم، وثالثاً بالتعليم. التعليم باختصار هو الكلمة الأولى والأخيرة في ملحمة التنمية.» يقول أحد الباحثين العرب: الخاصية النفسية الرئيسية للتخلّف هي التقليد، والخاصية النفسية الرئيسية للتقدم هي الابتكار، وإذا كان على البلاد المتخلفة أن تقتبس بالضرورة الأفكار التي سبقتها إليها البلاد المتقدمة، تكنولوجية كانت أو إيديولوجية، إلّا إن عليها أن تقتبسها اقتباساً ابتكارياً، فإذا اقتبست اقتباساً تقليدياً أعمى أوغلت في التخلف بدلاً من أن تتحرر منه.أن التنمية عملية واعية وموجهة، تقوم بها قطاعات شعبية، خاصة وعامة، بهدف إيجاد تغيير شامل يسمو بالمجتمع إلى مصاف الأمم الراقية المتحضرة. لذا فهي أكثر من عملية نمو اقتصادي يعبر فحسب، عن وجود « عملية تحولات في البناء الاقتصادي الاجتماعي، قادرة على تنمية طاقة إنتاجية مدعمة ذاتيا، تؤدي إلى تحقيق زيادة منتظمة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد على المدى المنظور. لذلك تقوم التنمية على أساسان: فكري وآخر مادي، وهما في تفاعل متبادل ودائم يؤدي إلى نضج ثمرة التنمية. فمناهج العلم وفرضياته، تخلق الفرص المواتية للإبداع التكنولوجي، بحيث يمكن القول بأن التطور المادي لابد من أن يكون مسبوقا بتطور فكري ملازم له. كما أن الاستمرار في التقدم التكنولوجي من شأنه أن يشحذ الذهن على البحث العلمي المتواصل لاكتشاف المزيد من التقنيات. ولا يمكن أن يكون مستوى دخل الفرد أو معدّل نمو دخل الفرد المؤشر الرئيسي والوحيد على مدى تقدم المجتمعات باتجاه التنمية فالتنمية تعنى باحتياجات الحاضر دون التقصير على قدرة الأجيال القادمة في تحقيق مطالباتها. التنمية الثقافية: أهم صور التنمية الثقافية التي أدركت الدولة أهميتها،تتمثل في عشرات المكتبات في الأماكن المحرومة في أرجاء الوطن.. دعم الفرق المسرحية الجادة والمؤسسات الثقافية.. تقديم الفعاليات الثقافية والفنية المتنوعة عبر مراكز الإبداع..أيضا معارض الكتاب الحالية وإدراجها في المدن الرئيسية للمملكة، دعم حركات الترجمة الضعيفة،مع إعداد المثقف الذي يقوم على إدارة وإنجاح أي عمل ثقافي يتميز بالمواكبة والرقى.ودعوته لكل المحافل الثقافية،فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب.و إجمالا فإن الثقافة هي كل مركب يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين و العادات. عندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، كان يشير فيما يشير إليه إلى عملية الاستصلاح أو تحسين المستوى، كما هو الحال في عملية الزراعة أو البستنة. أما في القرن التاسع عشر، أصبح يشير بصورة واضحة إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان، لا سيما من خلال التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا. إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح «الثقافة» للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على صنع عالم أفضل.