تعليقاً على ما تنشره صحيفة الجزيرة من أخبار تربوية ومنها ممارستنا اليومية في تربية الأبناء؛ لدى بعض الأسر الساهية، وداخل بعض المدارس المتهاونة، التي تقوم على الدلال والتدليل في التعامل، وعلى التجاهل والتساهل عند وقوع المثالب، مما ينتج عن ذلك منغصات جسيمة، ومشاكل عويصة. وتقبع هذه الرعاية المعوقة للحياة؛ لدى صناع المعيشة المنعمة، والحالة المترفة، الذين يرددون دائماً: لا تحبطوا الابن، لا تخوفوه، لا تمنعوه، دعوه يلعب، اتركوه يعبث ويبطش ويطيش، فله حريته المطلقة، وحياته المستقلة؛ يقوم وينام متى ما يشاء، ويسرح ويمرح ويتكلم متى ما يريد، جميع الأوامر منفذة، وكل الطلبات ميسرة. وهذه هي التربية الرخوة الهشة، المذمومة المرفوضة؛ التي تؤثر سلباً على بناء الشخصية؛ فتجعلها ضعيفة مهزوزة، خاملة كسولة، فيها ميوعة وبلاهة، وسماجة وبلادة، لا ترى فيها سوى الأنانية والاتكالية، وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية، مع تجاهل للتوجيهات التي تصدر من الوالدين؛ أو من المعلمين. وإذا كانت تربية الأبناء باردة، ناعمة، خاملة، لا تهتم بتأصيل الروح الإيمانية، ولا تؤكد على الالتزام بالقيم الإيجابية ولا تحاسب المخطئ على خطئه، ولا تزجر المستهتر على سلوكه؛ فإنها بذلك تكون هادمة غير بانية، فاسدة غير صالحة، ضارة غير نافعة. وها هي اليوم نتائج هذه التربية ظاهرة أمامنا، وبارزة لنا بمساوئها وسلبياتها، حيث نجد بين الشباب من يتفنن في إيقاع السيئة، وارتكاب الخطيئة، ومنهم من يتنافس في فعل الأشياء المذمومة، والعمل بالأمور الممقوتة. ففي المدرسة تشاهد لدى بعض الطلاب سوء أدب، وضعف تعلم، وقلة احترام، كما ترى الشاب يقود سيارته وهو يعبث بها، ويرتكب مخالفاتها، وأما في الطرقات فإنك تشاهد المتسكع، وكثير التجوال، والمسرف في اللهو واللعب، والملوث للمكان، والصادر منه الشجار، وبذاءة الألفاظ. ولهذا يجب على كل مرب جهل دوره، وغفل عن عمله؛ أن يكون بصيراً بأساليب التربية السليمة، والرعاية الصحيحة، وأن يكون حكيماً في العمل بها، يضع الأمور في مواضعها، وأن يكون له قوة في التربية؛ ولكن بفطنة وكياسة، فلا يتساهل مع حالة تستوجب الحزم والتقريع والغلظة، ولا يقسو مع حالة تستوجب الرفق واللين والرحمة. فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً فليقْسُ أحياناً على من يرحم. أما مهارات الهشاشة والبشاشة، والدعابة المرحة، والممازحة اللطيفة؛ فهي ليست مهارات سلبية؛ تزرع الضعف والنعومة، بل هي مظاهر تربوية مطلوبة، يجد معها المتربي الراحة والطمأنينة، وتغرس فيه المودة للمربي، وتدفعه إلى احترامه، والقيام بتوقيره، والتحلي بسلوكه، والعمل بإرشاداته، والأخذ بتوجيهاته. نجوى الأحمد - جامعة الأميرة نورة