لست بائسة إن قلت لك: عليك أن تُشمّر عن أفكارك وتسيح في أرض الوقاية خيرٌ من العلاج فالتصحّر الفكري يجتاح العقول.. نعم يجتاحها، وأنت دون مقاومة تُذكر، ووعي جادٍ بهذا التصحّر الذي يقتلع الخَضَار في فكرك، وأقرب مثالٍ على هذا ماتراه وتسمع عنه في مجتمعاتنا بين اليوم والآخر، وإن كنت من روّاد موقع التواصل الاجتماعي _تويتر والفيس بوك والواتس أب إلى آخر ماطلع علينا_ فلا بُد أنّك اطلعت على حجم هذا التصحّر الذي يزداد ضراوة في ظل غياب الرادع والرقيب.. من الواضح أمام كل ذي بصيرة أن نسبة كبيرة من الناس في هذه المواقع تعاني من الارتباك في الفهم.. بمعنى أنها تتناول المفاهيم من غير معرفة دقيقة لمضامينها، ومستوى أبعادها، وهذا هو السبب الرئيسي في إطلاق الأحكام الجُزاف على الناس، وكافة القضايا الصغيرة منها والكبيرة..وهذا هو الخطأ الأول الفادح الذي شجّع بقيّة الأخطاء على المُضي قُدمًا دون تروّي وأخذ الحيطة، وكيف سيتم تفعيل الحيطة والتروي والبنية التحتيّة للوعي خاوية الوفاض قاصرة عن بلوغ مرمى الوعي؟!. حتى المثقف فينا الذي نعده المحارب الذي لا يسأم ولا يتعب في سبيل التنوير ولديه مايكفي من الوعي يحول دونه ودون الانزلاق في حرب ضروس تنزلق فيها قدمه وينزلق معه من يؤمن بفكره التنويري، وربط جأشه، للأسف بقصد أو بدون قصد قد يحيد أحيانًا المثقف فتراه ينحرف بفكره ووعيه فيساهم في صناعة الأزمة ويقبع تحت ضلالها وظلالها من خلال تفريغ عقول المجتمع من الحكمة والتؤدة ليملأها بزخرف خرافات رأيه، ويشحن صدورهم بالغل والحقد..ظنا منه أنه الوحيد الذي يعرف الوعي ويرى ويعرف عن مستقبلنا مالا يراه غيره ويعرفه.. وفي هذا غرور بالوعي أعماه عن طريق الصواب، ورؤية المصلحة العامة، ومراعاة فكر من يتبعه في خطواته وهاجس فكره، وبدى هذا واضحا مع كل أزمة سياسية واجتماعية وحتى إنسانية. والأمثلة على سقوط بعض المثقفين أكثر من أن تعد وتحصى، لهذا تجرّأت محاضن موغلة في الظلمة يتناسل فيها الجهل ويجتر أفكاره ومفاهيمه من أقبيتها...حتى إذا مااكتمل نموه واشتد عوده علّبها في قوالب الشتيمة وبارزنا بها الجاهل مُعلنًا الحرب على كل من يُخالف نهجه ونهج قدوته المثقفة التي سوّغت له ردود أفعاله وانفعالاته. وهذه التكتُلات «بعينها» مبنية على خطأ لهذا لا يستفيد منها المجتمع بل تعرقل نمو الوعي وتعطي الحرية صورة مشوّهة في عقل المجتمع الجديد على الانفتاح.