تصريح وزير العمل الأسبوع الماضي «بأن الوزارة فشلت في تحقيق بعض الأهداف في السابق والخاصة بتوطين بعض الأنشطة، وأنه يتألم حينما يشاهد أسواق الخضار والذهب وغيرها من المشروعات الوطنية لغير السعوديين» لا شك أنها خطوة مهمة في تصحيح الوضع المزري الذي تعانيه برامج السعودة إن كان هذا التصريح مؤشراً على أن هناك تحولاً حقيقياً في طريقة تعامل الوزارة مع برامجها. فوزارة العمل في السنوات الأخيرة أخذت منحى غريباً يتمثّل في مواجهة فشل برامجها وليس الاعتراف بما تواجهه من عقبات ومظاهر قصور واضحة. فالوزارة مثلاً وبدلاً من مواجهة التفشي الهائل للسعودة الوهمية منذ تطبيق برنامج نطاقات نجدها تتحدث عن نجاحها في توظيف 468 ألف مواطنة خلال أربع سنوات وبنسبة زيادة تبلغ 470% رغم علمها التام بأن ذلك غير حقيقي، وأن ما قد يزيد على 95% من هذا النمو لا يعدو أن يكون مجرد تسجيل أسماء في نظام التأمينات الاجتماعية بهدف رفع نسبة السعودة وهمياً. وعلى افتراض أن هذا التصريح يظهر تحولاً حقيقياً في طريقة تعامل الوزارة مع برامجها المختلفة فإن هناك إصلاحات في غاية الأهمية وضرورية لكي يحدث تغير حقيقي على أرض الواقع، من أهمها التالية: 1 - أن على وزارة العمل عدم التراجع عن أي قرار سعودة تتخذه مهما واجه تطبيقه من صعوبات وعقبات، وعليها أن تسمح للتكيف الذاتي لسوق العمل في أن يوجد الحلول المناسبة لتلك العقبات وسيكون السوق قادراً على ذلك إن أعطي الفرصة للقيام بذلك، وعدم امتلاك الوزارة للإرادة والصبر على ما يواجه قرارات السعودة من صعوبات جعلها تستجيب لادعاءات أصحاب المصالح المتضررين من تلك القرارات ما أفقدها المصداقية وتسبب في تفشي التحايل عليها. 2 - أن على الوزارة أن تواجه بحسم وقوة أي محاولة للتحايل على قراراتها وتوقّع أقصى العقوبات بالمخالفين والمتحايلين لا أن نشعر بأنها بحاجة إلى إظهار أي نوع من النجاح، فتلجأ إلى التغطية على تلك المخالفات بدلاً من فضحها والمعاقبة عليها، كما هو حالها مع مرتكبي السعودة الوهمية فهي لا تستطيع معاقبتهم في الوقت الذي تعتبر أن ما قاموا به من مخالفات إنجاز تفاخر فيه. 3 - يجب أن يكون لدى الوزارة نوع من الواقعية فلا تحاول إنجاح ما لا يملك أي فرصة للنجاح أصلاً، ففكرة مكافأة من يُوظف سعوديين بمنحه مزيداً من التأشيرات وعلاوة على ما ترتب عليها من تفشٍ في السعودة الوهمية فهي فكرة تعاني من خلل كبير وتناقض عجيب. فمن يوظف سعوديين فعلاً سيكون أقل حاجة للاستقدام، لا أن يصبح مستحقاً للمزيد منه.. وكان من الواجب أن تدرك الوزارة هذا التناقض العجيب في فكرة برنامج نطاقات فلا تنساق إليه، ناهيك أن تستمر في تسويقه رغم فشله الواضح وتسببه في تفشٍ خطير في السعودة الوهمية وفي زيادة هائلة غير مبررة في الاستقدام. 4 - أن السعودة القسرية تشجع على التحايل عليها وتجعل مراقبتها في غاية الصعوبة، وبالتالي لا بد أن تكون السعودة متسقة بشكل كامل مع مصلحة صاحب العمل، والذي يمكن تحقيقه فقط من خلال فرض رسوم عالية متزايدة على استقدام وتوظيف العمالة الأجنبية تستخدم كامل إيراداتها في دعم توظيف العمالة السعودية بما يضمن تحسن مستمر في تنافسيتها أمام العمالة الأجنبية، ما يشجع على توظيفها بشكل متزايد. وعلينا أن ندرك أن هناك خللاً في نظرتنا لطبيعة المشكلة التي نواجهها في سوق العمل السعودي، فالمشكلة ليست كما يتوهم البعض في وجود حوالي 700 ألف مواطن ومواطنة عاطلين عن العمل، فالمعضلة الأكبر والأهم هي وجود عدة ملايين من المواطنين والمواطنات ممن هم في سن العمل خارج قوة العمل حالياً، بسبب ضيق فرص العمل المتاحة أمامهم نتيجة هذا الاعتماد الكبير غير المبرر على العمالة الأجنبية متدنية الأجر والمهارة، والذي لا يمثّل فقط هدراً هائلاً في مواردنا البشرية، وإنما أيضاً له انعكاساته لخطيرة جداً على الدخل العائلي، وبالتالي على مستويات المعيشة واستقرارنا الاجتماعي.